مَخْلُوقٌ فِي أَصْلِ قَوْلِهِمْ. فَإِنَّ أَصْلَ قَوْلِهِمْ أَنَّ الرَّبَّ لَا تَقُومُ بِهِ الْأُمُورُ الِاخْتِيَارِيَّةُ. فَلَا يَقُومُ بِهِ كَلَامٌ وَلَا فِعْلٌ بِاخْتِيَارِهِ وَمَشِيئَتِهِ وَقَالُوا: هَذِهِ حَوَادِثُ وَالرَّبُّ لَا تَقُومُ بِهِ الْحَوَادِثُ. فَخَالَفُوا صَحِيحَ الْمَنْقُولِ وَصَرِيحَ الْمَعْقُولِ وَاعْتَقَدُوا أَنَّهُمْ بِهَذَا يَرُدُّونَ عَلَى الْفَلَاسِفَةِ وَيُثْبِتُونَ حُدُوثَ الْعَالَمِ وَأَخْطَئُوا فِي ذَلِكَ فَلَا لِلْإِسْلَامِ نَصَرُوا وَلَا لِلْفَلَاسِفَةِ كَسَرُوا وَادَّعَوْا أَنَّ الرَّبَّ لَمْ يَكُنْ قَادِرًا فِي الْأَزَلِ عَلَى كَلَامٍ يَتَكَلَّمُ بِهِ وَلَا فِعْلٍ يَفْعَلُهُ وَأَنَّهُ صَارَ قَادِرًا بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ قَادِرًا بِغَيْرِ أَمْرٍ حَدَثَ أَوْ يُغَيِّرُونَ الْعِبَارَةَ فَيَقُولُونَ. لَمْ يَزَلْ قَادِرًا؛ لَكِنْ يَقُولُونَ: إنَّ الْمَقْدُورَ كَانَ مُمْتَنِعًا وَإِنَّ الْفِعْلَ صَارَ مُمْكِنًا لَهُ بَعْدَ أَنْ صَارَ مُمْتَنِعًا عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ تَجَدُّدِ شَيْءٍ. وَقَدْ يُعَبِّرُونَ عَنْ ذَلِكَ بِأَنْ يَقُولُوا: كَانَ قَادِرًا فِي الْأَزَلِ عَلَى مَا يُمْكِنُ فِيمَا لَا يَزَالُ لَا عَلَى مَا لَا يُمْكِنُ فِي الْأَزَلِ فَيَجْمَعُونَ بَيْنَ النَّقِيضَيْنِ حَيْثُ يُثْبِتُونَهُ قَادِرًا فِي حَالِ كَوْنِ الْمَقْدُورِ عَلَيْهِ مُمْتَنِعًا عِنْدَهُمْ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ نَوْعِ الْكَلَامِ وَالْفِعْلِ وَبَيْنَ عَيْنِهِ كَمَا لَمْ يُفَرِّقْ الْفَلَاسِفَةُ بَيْنَ هَذَا وَهَذَا؛ بَلْ الْفَلَاسِفَةُ ادَّعَوْا أَنَّ مَفْعُولَهُ الْمُعَيَّنَ قَدِيمٌ بِقِدَمِهِ فَضَلُّوا فِي ذَلِكَ وَخَالَفُوا صَرِيحَ الْمَعْقُولِ وَصَحِيحَ الْمَنْقُولِ؛ فَإِنَّ الْأَدِلَّةَ لَا تَدُلُّ عَلَى قِدَمِ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ مِنْ الْعَالَمِ بَلْ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَا سِوَى اللَّهِ مَخْلُوقٌ حَادِثٌ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ؛ إذْ هُوَ فَاعِلٌ بِقُدْرَتِهِ وَمَشِيئَتِهِ كَمَا تَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ الدَّلَائِلُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute