للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَلَمْ يَهْتَدُوا إلَى الْفَرْقِ بَيْنَ مَا يَسْتَلْزِمُ الْأَوَّلِيَّةَ وَالْحُدُوثَ وَهُوَ الْفِعْلُ الْمُعَيَّنُ وَالْمَفْعُولُ الْمُعَيَّنُ وَبَيْنَ مَا لَا يَسْتَلْزِمُ ذَلِكَ وَهُوَ نَوْعُ الْفِعْلِ وَالْكَلَامِ؛ بَلْ هَذَا يَكُونُ دَائِمًا وَإِنْ كَانَ كُلٌّ مِنْ آحَادِهِ حَادِثًا كَمَا يَكُونُ دَائِمًا فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَإِنْ كَانَ كُلٌّ مِنْ آحَادِهِ فَانِيًا بِخِلَافِ خَالِقٍ يَلْزَمُهُ مَخْلُوقُهُ الْمُعَيَّنُ دَائِمًا فَإِنَّ هَذَا هُوَ الْبَاطِلُ فِي صَرِيحِ الْعَقْلِ وَصَحِيحِ النَّقْلِ؛ وَلِهَذَا اتَّفَقَتْ فِطَرُ الْعُقَلَاءِ عَلَى إنْكَارِ ذَلِكَ لَمْ يُنَازِعْ فِيهِ إلَّا شِرْذِمَةٌ مِنْ الْمُتَفَلْسِفَةِ كَابْنِ سِينَا وَأَمْثَالِهِ الَّذِينَ زَعَمُوا أَنَّ الْمُمْكِنَ الْمَفْعُولَ قَدْ يَكُونُ قَدِيمًا وَاجِبَ الْوُجُودِ بِغَيْرِهِ فَخَالَفُوا فِي ذَلِكَ جَمَاهِيرَ الْعُقَلَاءِ مَعَ مُخَالَفَتِهِمْ لِسَلَفِهِمْ أَرِسْطُو وَأَتْبَاعِهِ؛ فَإِنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا يَقُولُونَ ذَلِكَ وَإِنْ قَالُوا بِقِدَمِ الْأَفْلَاكِ وَأَرِسْطُو أَوَّلُ مَنْ قَالَ بِقِدَمِهَا مِنْ الْفَلَاسِفَةِ الْمَشَّائِينَ بِنَاءً عَلَى إثْبَاتِ عِلَّةٍ غائية لِحَرَكَةِ الْفَلَكِ يَتَحَرَّكُ الْفَلَكُ لِلتَّشَبُّهِ بِهَا لَمْ يُثْبِتُوا لَهُ فَاعِلًا مُبْدِعًا وَلَمْ يُثْبِتُوا مُمْكِنًا قَدِيمًا وَاجِبًا بِغَيْرِهِ وَهُمْ وَإِنْ كَانُوا أَجْهَلَ بِاَللَّهِ وَأَكْفَرَ مِنْ مُتَأَخِّرِيهِمْ فَهُمْ يُسَلِّمُونَ لِجُمْهُورِ الْعُقَلَاءِ أَنَّ مَا كَانَ مُمْكِنًا بِذَاتِهِ فَلَا يَكُونُ إلَّا مُحْدَثًا مَسْبُوقًا بِالْعَدَمِ فَاحْتَاجُوا أَنْ يَقُولُوا كَلَامُهُ مَخْلُوقٌ مُنْفَصِلٌ عَنْهُ. وَطَائِفَةٌ وَافَقَتْهُمْ عَلَى امْتِنَاعِ وُجُودِ مَا لَا نِهَايَةَ لَهُ؛ لَكِنْ قَالُوا تَقُومُ بِهِ الْأُمُورُ الِاخْتِيَارِيَّةُ فَقَالُوا إنَّهُ فِي الْأَزَلِ لَمْ يَكُنْ مُتَكَلِّمًا بَلْ وَلَا كَانَ الْكَلَامُ مَقْدُورًا لَهُ ثُمَّ صَارَ مُتَكَلِّمًا بِلَا حُدُوثِ حَادِثٍ بِكَلَامِ يَقُومُ بِهِ وَهُوَ قَوْلُ الْهَاشِمِيَّةِ والكَرَّامِيَة وَغَيْرِهِمْ.