للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فِي زَمَانٍ طَوِيلٍ كُلَّمَا ذَكَرَ شَيْئًا أَفْسَدْته وَكُلَّمَا ذَكَرْت شَيْئًا أَفْسَدَهُ؟ فَقَالَ: - هُوَ وَارِدَاتٌ تَرِدُ عَلَى النُّفُوسِ تَعْجِزُ النُّفُوسُ عَنْ رَدِّهَا فَجَعَلَا يَعْجَبَانِ مِنْ ذَلِكَ وَيُكَرِّرَانِ الْكَلَامَ وَطَلَبَ أَحَدُهُمَا أَنْ تَحْصُلَ لَهُ هَذِهِ الْوَارِدَاتُ فَعَلَّمَهُ الشَّيْخُ وَأَدَّبَهُ حَتَّى حَصَلَتْ لَهُ وَكَانَ مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ الْنُّفَاةِ. فَتَبَيَّنَ لَهُ أَنَّ الْحَقَّ مَعَ أَهْلِ الْإِثْبَاتِ وَأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ فَوْقَ سَمَوَاتِهِ وَعَلِمَ ذَلِكَ بِالضَّرُورَةِ رَأَيْت هَذِهِ الْحِكَايَةَ بِخَطِّ الْقَاضِي نَجْمِ الدِّينِ أَحْمَد بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ خَلَفٍ المقدسي وَذَكَرَ أَنَّ الشَّيْخَ الْكَبِيرِيَّ حَكَاهَا لَهُ وَكَانَ قَدْ حَدَّثَنِي بِهَا عَنْهُ غَيْرُ وَاحِدٍ حَتَّى رَأَيْتهَا بِخَطِّهِ وَكَلَامُ الْمَشَايِخِ فِي مِثْلِ هَذَا كَثِيرٌ وَهَذَا الْوَصْفُ الَّذِي ذَكَرَهُ الشَّيْخُ جَوَابٌ لَهُمْ بِحَسَبِ مَا يَعْرِفُونَ فَإِنَّهُمْ قَدْ قَسَّمُوا الْعِلْمَ إلَى ضَرُورِيٍّ وَنَظَرِيٍّ وَالنَّظَرِيُّ مُسْتَنِدٌ إلَى الضَّرُورِيِّ وَالضَّرُورِيُّ هُوَ الْعِلْمُ الَّذِي يَلْزَمُ نَفْسَ الْمَخْلُوقِ لُزُومًا لَا يُمْكِنُهُ مَعَهُ الِانْفِكَاكُ عَنْهُ هَذَا حَدُّ الْقَاضِي أَبِي بَكْرِ بْنِ الطَّيِّبِ وَغَيْرِهِ. فَخَاصَّتُهُ أَنَّهُ يَلْزَمُ النَّفْسَ لُزُومًا لَا يُمْكِنُ مَعَ ذَلِكَ دَفْعُهُ فَقَالَ لَهُمْ: عِلْمُ الْيَقِينِ عِنْدَنَا هُوَ مِنْ هَذَا الْجِنْسِ وَهُوَ عِلْمٌ يَلْزَمُ النَّفْسَ لُزُومًا لَا يُمْكِنُهُ مَعَ ذَلِكَ الِانْفِكَاكُ عَنْهُ وَقَالَ: وَارِدَاتٌ؛ لِأَنَّهُ يَحْصُلُ مَعَ الْعِلْمِ طُمَأْنِينَةٌ وَسَكِينَةٌ تُوجِبُ الْعَمَلَ بِهِ فَالْوَارِدَاتُ تَحْصُلُ بِهَذَا وَهَذَا وَهَذَا قَدْ أَقَرَّ بِهِ كَثِيرٌ مِنْ حُذَّاقِ النُّظَّارِ مُتَقَدِّمِيهِمْ كالكيا الهراسي وَالْغَزَالِيِّ