للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

(الْأَصْلُ الثَّانِي) الِاحْتِجَاجُ بِالْقَدَرِ عَلَى الْمَعَاصِي وَعَلَى تَرْكِ الْمَأْمُورِ وَفِعْلِ الْمَحْظُورِ) فَإِنَّ الْقَدَرَ يَجِبُ الْإِيمَانُ بِهِ وَلَا يَجُوزُ الِاحْتِجَاجُ بِهِ عَلَى مُخَالَفَةِ أَمْرِ اللَّهِ وَنَهْيِهِ وَوَعْدِهِ وَوَعِيدِهِ. وَالنَّاسُ - الَّذِينَ ضَلُّوا فِي الْقَدَرِ - عَلَى ثَلَاثَةِ أَصْنَافٍ: قَوْمٌ آمَنُوا بِالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَالْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ؛ وَكَذَّبُوا بِالْقَدَرِ وَزَعَمُوا أَنَّ مِنْ الْحَوَادِثِ مَا لَا يَخْلُقُهُ اللَّهُ كَالْمُعْتَزِلَةِ وَنَحْوِهِمْ. وَقَوْمٌ آمَنُوا بِالْقَضَاءِ وَالْقَدَرِ وَوَافَقُوا أَهْلَ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ عَلَى أَنَّهُ مَا شَاءَ اللَّهُ كَانَ وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ وَأَنَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَرَبُّهُ وَمَلِيكُهُ؛ لَكِنْ عَارَضُوا هَذَا بِالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَسَمَّوْا هَذَا حَقِيقَةً وَجَعَلُوا ذَلِكَ مُعَارِضًا لِلشَّرِيعَةِ. وَفِيهِمْ مَنْ يَقُولُ: إنَّ مُشَاهَدَةَ الْقَدَرِ تَنْفِي الْمَلَامَ وَالْعِقَابَ وَإِنَّ الْعَارِفَ يَسْتَوِي عِنْدَهُ هَذَا وَهَذَا. وَهُمْ فِي ذَلِكَ مُتَنَاقِضُونَ مُخَالِفُونَ لِلشَّرْعِ وَالْعَقْلِ وَالذَّوْقِ وَالْوَجْدِ؛ فَإِنَّهُمْ لَا يُسَوُّونَ بَيْنَ مَنْ أَحْسَنَ إلَيْهِمْ وَبَيْنَ مَنْ ظَلَمَهُمْ وَلَا يُسَوُّونَ بَيْنَ الْعَالِمِ وَالْجَاهِلِ وَالْقَادِرِ وَالْعَاجِزِ وَلَا بَيْنَ الطَّيِّبِ وَالْخَبِيثِ وَلَا بَيْنَ الْعَادِلِ وَالظَّالِمِ؛ بَلْ يُفَرِّقُونَ بَيْنَهُمَا وَيُفَرِّقُونَ أَيْضًا بِمُوجِبِ أَهْوَائِهِمْ وَأَغْرَاضِهِمْ لَا بِمُوجِبِ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَلَا يَقِفُونَ لَا مَعَ الْقَدَرِ وَلَا مَعَ الْأَمْرِ؛ بَلْ كَمَا