قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: أَنْتَ عِنْدَ الطَّاعَةِ قَدَرِيٌّ وَعِنْدَ الْمَعْصِيَةِ جَبْرِيٌّ أَيُّ مَذْهَبٍ يُوَافِقُ هَوَاك تَمَذْهَبْت بِهِ. وَلَا يُوجَدُ أَحَدٌ يَحْتَجُّ بِالْقَدَرِ فِي تَرْكِ الْوَاجِبِ وَفِعْلِ الْمُحَرَّمِ: إلَّا وَهُوَ مُتَنَاقِضٌ لَا يَجْعَلُهُ حُجَّةً فِي مُخَالَفَةِ هَوَاهُ بَلْ يُعَادِي مَنْ آذَاهُ وَإِنْ كَانَ مُحِقًّا وَيُحِبُّ مَنْ وَافَقَهُ عَلَى غَرَضِهِ وَإِنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ فَيَكُونُ حُبُّهُ وَبُغْضُهُ وَمُوَالَاتُهُ وَمُعَادَاتُهُ: بِحَسَبِ هَوَاهُ وَغَرَضِهِ وَذَوْقِ نَفْسِهِ وَوَجْدِهِ لَا بِحَسَبِ أَمْرِ اللَّهِ وَنَهْيِهِ وَمَحَبَّتِهِ وَبُغْضِهِ وَوِلَايَتِهِ وَعَدَاوَتِهِ. إذْ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَجْعَلَ الْقَدَرَ حُجَّةً لِكُلِّ أَحَدٍ. فَإِنَّ هَذَا مُسْتَلْزِمٌ لِلْفَسَادِ الَّذِي لَا صَلَاحَ مَعَهُ وَالشَّرِّ الَّذِي لَا خَيْرَ فِيهِ؛ إذْ لَوْ جَازَ أَنْ يَحْتَجَّ كُلُّ أَحَدٍ بِالْقَدَرِ لَمَا عُوقِبَ مُعْتَدٍ وَلَا اُقْتُصَّ مِنْ ظَالِمٍ بَاغٍ وَلَا أُخِذَ لِمَظْلُومِ حَقُّهُ مِنْ ظَالِمِهِ وَلَفَعَلَ كُلُّ أَحَدٍ مَا يَشْتَهِيهِ مِنْ غَيْرِ مُعَارِضٍ يُعَارِضُهُ فِيهِ وَهَذَا فِيهِ مِنْ الْفَسَادِ مَا لَا يَعْلَمُهُ إلَّا رَبُّ الْعِبَادِ. فَمِنْ الْمَعْلُومِ بِالضَّرُورَةِ: أَنَّ الْأَفْعَالَ تَنْقَسِمُ إلَى مَا يَنْفَعُ الْعِبَادَ وَإِلَى مَا يَضُرُّهُمْ وَاَللَّهُ قَدْ بَعَثَ رَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُ الْمُؤْمِنِينَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنْ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمْ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ فَمَنْ لَمْ يَتَّبِعْ شَرْعَ اللَّهِ وَدِينَهُ: تَبِعَ ضِدَّهُ مِنْ الْأَهْوَاءِ وَالْبِدَعِ وَكَانَ احْتِجَاجُهُ بِالْقَدَرِ مِنْ الْجَدَلِ بِالْبَاطِلِ لِيَدْحَضَ بِهِ الْحَقَّ لَا مِنْ بَابِ الِاعْتِمَادِ عَلَيْهِ وَلَزِمَهُ أَنْ يَجْعَلَ كُلَّ مَنْ جَرَتْ عَلَيْهِ الْمَقَادِيرُ مِنْ أَهْلِ الْمَعَاذِيرِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute