وَإِنْ قَالَ: أَنَا أَعْذُرُ بِالْقَدَرِ مَنْ شَهِدَهُ وَعَلِمَ أَنَّ اللَّهَ خَالِقُ فِعْلِهِ وَمُحَرِّكُهُ لَا مَنْ غَابَ عَنْ هَذَا الشُّهُودِ أَوْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجُحُودِ. قِيلَ لَهُ: فَيُقَالُ لَك وَشُهُودُ هَذَا وَجُحُودُ هَذَا مِنْ الْقَدَرِ؟ فَالْقَدَرُ مُتَنَاوِلٌ لِشُهُودِ هَذَا وَجُحُودِ هَذَا؟ فَإِنْ كَانَ هَذَا مُوجِبًا لِلْفَرْقِ مَعَ شُمُولِ الْقَدَرِ لَهُمَا: فَقَدْ جَعَلْت بَعْضَ النَّاسِ مَحْمُودًا وَبَعْضَهُمْ مَذْمُومًا مَعَ شُمُولِ الْقَدَرِ لَهُمَا؟ وَهَذَا رُجُوعٌ إلَى الْفَرْقِ وَاعْتِصَامٌ بِالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَحِينَئِذٍ فَقَدْ نَقَضْت أَصْلَك وَتَنَاقَضْت فِيهِ وَهَذَا لَازِمٌ لِكُلِّ مَنْ دَخَلَ مَعَك فِيهِ. ثُمَّ مَعَ فَسَادِ هَذَا الْأَصْلِ وَتَنَاقُضِهِ: فَهُوَ قَوْلٌ بَاطِلٌ وَبِدْعَةٌ مُضِلَّةٌ. فَمَنْ جَعَلَ الْإِيمَانَ بِالْقَدَرِ وَشُهُودَهُ عُذْرًا فِي تَرْكِ الْوَاجِبَاتِ وَفِعْلِ الْمَحْظُورَاتِ؟ بَلْ الْإِيمَانُ بِالْقَدَرِ حَسَنَةٌ مِنْ الْحَسَنَاتِ وَهَذِهِ لَا تَنْهَضُ بِدَفْعِ جَمِيعِ السَّيِّئَاتِ فَلَوْ أَشْرَكَ مُشْرِكٌ بِاَللَّهِ وَكَذَّبَ رَسُولَهُ نَاظِرًا إلَى أَنَّ ذَلِكَ مُقَدَّرٌ عَلَيْهِ: لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ غَافِرًا لِتَكْذِيبِهِ وَلَا مَانِعًا مِنْ تَعْذِيبِهِ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ سَوَاءٌ كَانَ الْمُشْرِكُ مُقِرًّا بِالْقَدَرِ وَنَاظِرًا إلَيْهِ أَوْ مُكَذِّبًا بِهِ أَوْ غَافِلًا عَنْهُ فَقَدْ قَالَ إبْلِيسُ: {بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} فَأَصَرَّ وَاحْتَجَّ بِالْقَدَرِ فَكَانَ ذَلِكَ زِيَادَةً فِي كُفْرِهِ وَسَبَبًا لِمَزِيدِ عَذَابِهِ. وَأَمَّا آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَإِنَّهُ قَالَ: {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} قَالَ تَعَالَى: {فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إنَّهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute