وَلِهَذَا قَالَ سَلَفُ هَؤُلَاءِ الْمَلَاحِدَةِ: إنَّ الْحَلَّاجَ نِصْفُ رَجُلٍ؛ وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ تُرْفَعْ لَهُ الإنية بِالْمَعْنَى فَرُفِعَتْ لَهُ صُورَةً: يَقُولُونَ إنَّهُ لَمَّا لَمْ تُرْفَعْ إنيته فِي الثُّبُوتِ فِي حَقِيقَةِ شُهُودِهِ رُفِعَتْ صُورَةً فَقُتِلَ وَهَذَا الْقَوْلُ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ الْكُفْرِ وَالْإِلْحَادِ: فَهُوَ مُتَنَاقِضٌ يَنْقُضُ بَعْضَهُ بَعْضًا فَإِنَّ قَوْلَهُ: بَيْنِي وَبَيْنَك إني تُزَاحِمُنِي خِطَابٌ لِغَيْرِهِ وَإِثْبَاتُ إنية بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ؛ وَهَذَا إثْبَاتُ أُمُورٍ ثَلَاثَةٍ وَلِذَلِكَ يَقُولُ: فَارْفَعْ بِحَقِّك إنيي مِنْ الْبَيْنِ طَلَبَ مِنْ غَيْرِهِ أَنْ يَرْفَعَ إنيته وَهَذَا إثْبَاتٌ لِأُمُورِ ثَلَاثَةٍ. وَهَذَا الْمَعْنَى الْبَاطِلُ هُوَ الْفَنَاءُ الْفَاسِدُ وَهُوَ الْفَنَاءُ عَنْ وُجُودِ السِّوَى فَإِنَّ هَذَا فِيهِ طَلَبَ رَفْعِ الإنية - وَهُوَ طَلَبَ الْفَنَاءِ - وَالْفَنَاءُ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ: فَنَاءٌ عَنْ وُجُودِ السِّوَى وَفَنَاءٌ عَنْ شُهُودِ السِّوَى وَفَنَاءٌ عَنْ عِبَادَةِ السِّوَى. فَالْأَوَّلُ: هُوَ فَنَاءُ أَهْلِ الْوَحْدَةِ الْمَلَاحِدَةِ كَمَا فَسَّرُوا بِهِ كَلَامَ الْحَلَّاجِ - وَهُوَ أَنْ يَجْعَلَ الْوُجُودَ وُجُودًا وَاحِدًا -. وَأَمَّا الثَّانِي: - وَهُوَ الْفَنَاءُ عَنْ شُهُودِ السِّوَى - فَهَذَا هُوَ الَّذِي يَعْرِضُ لِكَثِيرِ مِنْ السَّالِكِينَ كَمَا يُحْكَى عَنْ أَبِي يَزِيدَ وَأَمْثَالِهِ وَهُوَ مَقَامُ الِاصْطِلَامِ وَهُوَ أَنْ يَغِيبَ بِمَوْجُودِهِ عَنْ وُجُودِهِ وَبِمَعْبُودِهِ عَنْ عِبَادَتِهِ وَبِمَشْهُودِهِ عَنْ شَهَادَتِهِ وَبِمَذْكُورِهِ عَنْ ذِكْرِهِ فَيَفْنَى مَنْ لَمْ يَكُنْ وَيَبْقَى مَنْ لَمْ يَزَلْ؛ وَهَذَا كَمَا يُحْكَى أَنَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute