وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ عَلَيْهِمْ السَّلَامُ أَعْظَمُ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ وَالْأَنْبِيَاءُ جَاءُوا بِمَا تَعْجِزُ الْعُقُولُ عَنْ مَعْرِفَتِهِ وَلَمْ يَجِيئُوا بِمَا تَعْلَمُ الْعُقُولُ بُطْلَانَهُ فَهُمْ يُخْبِرُونَ بِمُحَارَاتِ الْعُقُولِ لَا بِمُحَالَاتِ الْعُقُولِ وَهَؤُلَاءِ الْمَلَاحِدَةُ يَدَّعُونَ أَنَّ مُحَالَاتِ الْعُقُولِ صَحِيحَةٌ وَأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ النَّقِيضَيْنِ صَحِيحٌ وَأَنَّ مَا خَالَفَ صَرِيحَ الْمَعْقُولِ وَصَحِيحَ الْمَنْقُولِ صَحِيحٌ. وَلَا رَيْبَ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ خَيَالٍ وَأَوْهَامٍ يَتَخَيَّلُونَ فِي نُفُوسِهِمْ أُمُورًا يَتَخَيَّلُونَهَا ويتوهمونها فَيَظُنُّونَهَا ثَابِتَةً فِي الْخَارِجِ وَإِنَّمَا هِيَ خَيَالَاتُهُمْ وَالْخَيَالُ الْبَاطِلُ يُتَصَوَّرُ فِيهِ مَا لَا حَقِيقَةَ لَهُ. وَلِهَذَا يَقُولُونَ: أَرْضُ الْحَقِيقَةِ هِيَ أَرْضُ الْخَيَالِ كَمَا يَقُولُ ذَلِكَ ابْنُ عَرَبِيٍّ وَغَيْرُهُ؛ وَلِهَذَا يَحْكُونَ حِكَايَةً ذَكَرَهَا سَعِيدٌ الفرغاني شَارِحُ قَصِيدَةِ ابْنِ الْفَارِضِ - وَكَانَ مِنْ شُيُوخِهِمْ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: - بَيْنِي وَبَيْنَك إني تُزَاحِمُنِي فَارْفَعْ بِحَقِّك إنيي مِنْ الْبَيْنِ فَإِنَّ هَذَا الْكَلَامَ يُفَسَّرُ بِمَعَانٍ ثَلَاثَةٍ يَقُولُهُ الْمُلْحِدُ وَيَقُولُهُ الزِّنْدِيقُ وَيَقُولُهُ الصِّدِّيقُ. فَالْأَوَّلُ: مُرَادُهُ بِهِ طَلَبَ رَفْعِ ثُبُوتِ إنيته حَتَّى يُقَالَ إنَّ وُجُودَهُ هُوَ وُجُودُ الْحَقِّ وإنيته هِيَ إنية الْحَقِّ فَلَا يُقَالُ إنَّهُ غَيْرُ اللَّهِ وَلَا سِوَاهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute