للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يَكُنْ فِي الْأُمَمِ مَنْ يَقُولُ إنَّ الْقَاتِلَ الظَّالِمَ الْمُتَعَدِّي مُطْلَقًا لَا يُقْتَلُ فَهَذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنْ بَنِي آدَمَ؛ بَلْ كُلُّ بَنِي آدَمَ مُطْبِقُونَ عَلَى أَنَّ الْقَاتِلَ فِي الْجُمْلَةِ يُقْتَلُ لَكِنَّ الظَّلَمَةَ الْأَقْوِيَاءَ يُفَرِّقُونَ بَيْن قَتِيلٍ وَقَتِيلٍ. وَقَوْلُ مَنْ قَالَ: إنَّ قَوْلَهُ: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} مَعْنَاهُ أَنَّ الْقَاتِلَ إذَا عَرَفَ أَنَّهُ يُقْتَلُ كَفَّ فَكَانَ فِي ذَلِكَ حَيَاةٌ لَهُ وَلِلْمَقْتُولِ يُقَالُ لَهُ: هَذَا مَعْنًى صَحِيحٌ؛ وَلَكِنَّ هَذَا مِمَّا يَعْرِفُهُ جَمِيعُ النَّاسِ وَهُوَ مَغْرُوزٌ فِي جِبِلَّتِهِمْ وَلَيْسَ فِي الْآدَمِيِّينَ مَنْ يُبِيحُ قَتْلَ أَحَدٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُقْتَلَ قَاتِلُهُ؛ بَلْ كُلُّهُمْ مَعَ التَّسَاوِي يُجَوِّزُونَ قَتْلَ الْقَاتِلِ وَلَا يُتَصَوَّرُ أَنَّ النَّاسَ. . . (١) إذَا كَانَ كُلُّ مَنْ قَدَرَ عَلَى غَيْرِهِ قَتَلَهُ وَهُوَ لَا يُقْتَلُ يَرْضَى بِمَالِ وَإِذَا كَانَ هَذَا الْمَعْنَى مِنْ أَوَائِلِ مَا يَعْرِفُهُ الْآدَمِيُّونَ وَيَعْلَمُونَ أَنَّهُمْ لَا يَعِيشُونَ بِدُونِهِ صَارَ هَذَا مِثْلُ حَاجَتِهِمْ إلَى الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَالسُّكْنَى فَالْقُرْآنُ أَجَلُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَقْصُودُهُ التَّعْرِيفَ بِهَذِهِ الْأُمُورِ الْبَدِيهِيَّةِ؛ بَلْ هَذَا مِمَّا يَدْخُلُ فِي مَعْنَاهُ وَهُوَ أَنَّهُ إذَا كَتَبَ عَلَيْهِمْ الْقِصَاصَ فِي الْمَقْتُولِينَ أَنَّهُ يَسْقُطُ حُرٌّ بِحُرِّ وَعَبْدٌ بِعَبْدِ وَأُنْثَى بِأُنْثَى فَجَعَلَ دِيَةَ هَذَا كَدِيَةِ هَذَا وَدَمَ هَذَا كَدَمِ هَذَا مُتَضَمِّنٌ لِمُسَاوَاتِهِمْ فِي الدِّمَاءِ وَالدِّيَاتِ وَكَانَ بِهَذِهِ الْمُقَاصَّةِ لَهُمْ حَيَاةٌ مِنْ الْفِتَنِ الَّتِي تُوجِبُ هَلَاكَهُمْ كَمَا هُوَ مَعْرُوفٌ وَهَذَا الْمَعْنَى مِمَّا يُسْتَفَادُ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ فَعُلِمَ أَنَّ دَمَ الْحُرِّ وَدِيَتَهُ كَدَمِ الْحُرِّ وَدِيَتِهِ فَيُقْتَلُ بِهِ وَإِذَا عَلِمَ أَنَّ التَّقَاصَّ يَقَعُ لِلتَّسَاوِي فِي الدِّيَاتِ عَلِمَ أَنَّ لِلْمَقْتُولِ دِيَةً.


(١) بياض بالأصل