للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الْعُلَى وَلَهُ مِنْ كُلِّ صِفَةٍ اسْمٌ حَسَنٌ فَيَتَضَمَّنُ إثْبَاتَ أَسْمَائِهِ الْحُسْنَى وَكَمَالُ الْقُدْرَةِ يَسْتَلْزِمُ أَنْ يَكُونَ فَعَّالًا لِمَا يُرِيدُ وَذَلِكَ يَتَضَمَّنُ تَنْزِيهَهُ عَنْ كُلِّ مَا يُضَادُّ كَمَالِهِ فَيَتَضَمَّنُ تَنْزِيهَهُ عَنْ الظُّلْمِ الْمُنَافِي لِكَمَالِ غِنَاهُ وَكَمَالِ عِلْمِهِ؛ إذْ الظُّلْمُ إنَّمَا يَصْدُرُ عَنْ مُحْتَاجٍ أَوْ جَاهِلٍ وَأَمَّا الْغَنِيُّ عَنْ كُلِّ شَيْءٍ الْعَالِمُ بِكُلِّ شَيْءٍ سُبْحَانَهُ فَإِنَّهُ يَسْتَحِيلُ مِنْهُ الظُّلْمُ كَمَا يَسْتَحِيلُ عَلَيْهِ الْعَجْزُ الْمُنَافِي لِكَمَالِ قُدْرَتِهِ وَالْجَهْلُ الْمُنَافِي لِكَمَالِ عِلْمِهِ. فَتَضَمَّنَتْ الْآيَةُ هَذِهِ الْمَعَارِفَ كُلَّهَا بِأَوْجَزِ عِبَارَةٍ وَأَفْصَحِ لَفْظٍ وَأَوْضَحِ مَعْنًى. وَقَدْ عَرَفْت بِهَذَا أَنَّ الْآيَةَ لَا تَقْتَضِي الْعِقَابَ عَلَى خَوَاطِرِ النُّفُوسِ الْمُجَرَّدَةِ؛ بَلْ إنَّمَا تَقْتَضِي مُحَاسَبَةَ الرَّبِّ عَبْدَهُ بِهَا وَهِيَ أَعَمُّ مِنْ الْعِقَابِ وَالْأَعَمُّ لَا يَسْتَلْزِمُ الْأَخَصَّ وَبَعْدَ مُحَاسَبَتِهِ بِهَا يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَعَلَى هَذَا فَالْآيَةُ مُحْكَمَةٌ لَا نَسْخَ فِيهَا وَمَنْ قَالَ مِنْ السَّلَفِ: نَسَخَهَا مَا بَعْدَهَا فَمُرَادُهُ بَيَانُ مَعْنَاهَا وَالْمُرَادِ مِنْهَا وَذَلِكَ يُسَمَّى نَسْخًا فِي لِسَانِ السَّلَفِ كَمَا يُسَمُّونَ الِاسْتِثْنَاءَ نَسْخًا. ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ} فَهَذِهِ شَهَادَةُ اللَّهِ تَعَالَى لِرَسُولِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بِإِيمَانِهِ بِمَا أُنْزِلَ إلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَذَلِكَ يَتَضَمَّنُ إعْطَاءَهُ