للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَاعْتِرَافِهِمْ بِرُبُوبِيَّتِهِ وَاضْطِرَارِهِمْ إلَى مَغْفِرَتِهِ وَاعْتِرَافِهِمْ بِالتَّقْصِيرِ فِي حَقِّهِ وَإِقْرَارِهِمْ بِرُجُوعِهِمْ إلَيْهِ. ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلَّا وُسْعَهَا} فَنَفَى بِذَلِكَ مَا تَوَهَّمُوهُ مِنْ أَنَّهُ يُعَذِّبُهُمْ بِالْخَطَرَاتِ الَّتِي لَا يَمْلِكُونَ دَفْعَهَا وَأَنَّهَا دَاخِلَةٌ تَحْتَ تَكْلِيفِهِ فَأَخْبَرَهُمْ أَنَّهُ لَا يُكَلِّفُهُمْ إلَّا وُسْعَهُمْ فَهَذَا هُوَ الْبَيَانُ الَّذِي قَالَ فِيهِ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ فَنَسَخَهَا اللَّهُ عَنْهُمْ بِقَوْلِهِ: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلَّا وُسْعَهَا} وَقَدْ تَضَمَّنَ ذَلِكَ أَنَّ جَمِيعَ مَا كَلَّفَهُمْ بِهِ أَمْرًا وَنَهْيًا فَهُمْ مُطِيقُونَ لَهُ قَادِرُونَ عَلَيْهِ وَأَنَّهُ لَمْ يُكَلِّفْهُمْ مَا لَا يُطِيقُونَ وَفِي ذَلِكَ رَدٌّ صَرِيحٌ عَلَى مَنْ زَعَمَ خِلَافَ ذَلِكَ. وَاَللَّهُ تَعَالَى أَمَرَهُمْ بِعِبَادَتِهِ وَضَمِنَ أَرْزَاقَهُمْ فَكَلَّفَهُمْ مِنْ الْأَعْمَالِ مَا يَسَعُونَهُ وَأَعْطَاهُمْ مِنْ الرِّزْقِ مَا يَسَعُهُمْ فَتَكْلِيفُهُمْ يَسَعُونَهُ وَأَرْزَاقُهُمْ تَسَعُهُمْ فَهُمْ فِي الْوُسْعِ فِي رِزْقِهِ وَأَمْرِهِ: وَسِعُوا أَمْرَهُ وَوَسِعَهُمْ رِزْقَهُ فَفَرْقٌ بَيْنَ مَا يَسَعُ الْعَبْدَ وَمَا يَسَعُهُ الْعَبْدُ وَهَذَا هُوَ اللَّائِقُ بِرَحْمَتِهِ وَبِرِّهِ وَإِحْسَانِهِ وَحِكْمَتِهِ وَغِنَاهُ؛ لَا قَوْلُ مَنْ يَقُولُ إنَّهُ كَلَّفَهُمْ مَا لَا قُدْرَةَ لَهُمْ عَلَيْهِ أَلْبَتَّةَ وَلَا يُطِيقُونَهُ ثُمَّ يُعَذِّبُهُمْ عَلَى مَا لَا يَعْمَلُونَهُ. وَتَأَمَّلْ قَوْلَهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إلَّا وُسْعَهَا} كَيْفَ تَجِدُ تَحْتَهُ أَنَّهُمْ فِي سَعَةٍ وَمِنْحَةٍ مِنْ تَكَالِيفِهِ؛ لَا فِي ضِيقٍ وَحَرَجٍ وَمَشَقَّةٍ؛ فَإِنَّ الْوُسْعَ