للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَالْمَقْصُودُ هُنَا أَنَّ قَوْلَهُ: يَغِيبُ عَنْ الْمَذْكُورِ كَلَامُ جَاهِلٍ فَإِنَّ هَذَا لَا يُحْمَدُ أَصْلًا بَلْ الْمَحْمُودُ أَنْ يَغِيبَ بِالْمَذْكُورِ عَنْ الذِّكْرِ لَا يَغِيبُ عَنْ الْمَذْكُورِ فِي سَطَوَاتِ الذِّكْرِ. اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُرِيدَ أَنَّهُ غَابَ عَنْ الْمَذْكُورِ فَشَهِدَ الْمَخْلُوقُ وَشَهِدَ أَنَّهُ الْخَالِقُ وَلَمْ يَشْهَدْ الْوُجُودُ إلَّا وَاحِدًا وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنْ الْمَشَاهِدِ الْفَاسِدَةِ؛ فَهَذَا شُهُودُ أَهْلِ الْإِلْحَادِ لَا شُهُودُ الْمُوَحِّدِينَ وَلَعَمْرِي إنَّ مَنْ شَهِدَ هَذَا الشُّهُودَ الْإِلْحَادِيَّ فَإِنَّهُ يَرَى صَلَاةَ الْعَارِفِينَ مِنْ الْكُفْرِ.

الْكَوْنُ يُنَادِيك أَمَا تَسْمَعُنِي مَنْ أَلَّفَ أَشْتَاتِي وَمَنْ فَرَّقَنِي؟ اُنْظُرْ لِتَرَانِي مَنْظَرًا مُعْتَبِرًا مَا فِي سِوَى وُجُودِ مَنْ أَوْجَدَنِي فَهُوَ مِنْ أَقْوَالِ هَؤُلَاءِ الْمَلَاحِدَةِ وَأَقْوَالِهِمْ كُفْرٌ مُتَنَاقِضٌ بَاطِلٌ فِي الْعَقْلِ وَالدِّينِ فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ إلَّا وُجُودُ مَنْ أَوْجَدَهُ: كَانَ ذَلِكَ الْوُجُودُ هُوَ الْكَوْنُ الْمُنَادِي وَهُوَ الْمُخَاطَبُ الْمُنَادَى وَهُوَ الْأَشْتَاتُ الْمُؤَلَّفَةُ الْمُفَرَّقَةُ وَهُوَ الْمُخَاطَبُ الَّذِي قِيلَ لَهُ: اُنْظُرْ. وَحِينَئِذٍ يَكُونُ الْوُجُودُ الْوَاجِبُ الْقَدِيمُ الْأَزَلِيُّ: قَدْ أَوْجَدَ نَفْسَهُ وَفَرَّقَهَا وَأَلَّفَهَا. فَهَذَا جَمْعٌ بَيْنَ النَّقِيضَيْنِ فَإِنَّ الْوَاجِبَ بِنَفْسِهِ لَا يَكُونُ مَفْعُولًا مَصْنُوعًا وَالشَّيْءُ الْوَاحِدُ لَا يَكُونُ خَالِقًا مَخْلُوقًا قَدِيمًا مُحْدِثًا وَاجِبًا بِنَفْسِهِ وَاجِبًا بِغَيْرِهِ فَإِنَّ هَذَا جَمْعٌ بَيْنَ النَّقِيضَيْنِ.