وَفِي قَوْلِهِ {لَا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَابًا} لَمْ يَذْكُرْ اسْتِثْنَاءً. فَإِنَّ أَحَدًا لَا يَمْلِكُ مِنْ اللَّهِ خِطَابًا مُطْلَقًا. إذْ الْمَخْلُوقُ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا يُشَارِكُ فِيهِ الْخَالِقُ كَمَا قَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي قَوْلِهِ {وَلَا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفَاعَةَ} أَنَّ هَذَا عَامٌّ مُطْلَقٌ. فَإِنَّ أَحَدًا - مِمَّنْ يَدَّعِي مِنْ دُونِهِ - لَا يَمْلِكُ الشَّفَاعَةَ بِحَالِ. وَلَكِنَّ اللَّهَ إذَا أَذِنَ لَهُمْ شَفَعُوا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مَمْلُوكًا لَهُمْ. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ {لَا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَابًا} هَذَا قَوْلُ السَّلَفِ وَجُمْهُورِ الْمُفَسِّرِينَ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هَؤُلَاءِ هُمْ الْكُفَّارُ. لَا يَمْلِكُونَ مُخَاطَبَةَ اللَّهِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: قَوْلُهُ {لَا يَمْلِكُونَ} الضَّمِيرُ لِلْكُفَّارِ. أَيْ لَا يَمْلِكُونَ - مِنْ إفْضَالِهِ وَإِكْمَالِهِ - أَنْ يُخَاطِبُوهُ بِمَعْذِرَةِ وَلَا غَيْرِهَا. وَهَذَا مُبْتَدِعٌ. وَهُوَ خَطَأٌ مَحْضٌ. وَالصَّحِيحُ: قَوْلُ الْجُمْهُورِ وَالسَّلَفِ: أَنَّ هَذَا عَامٌّ كَمَا قَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى {وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إلَّا هَمْسًا} وَفِي حَدِيثِ التَّجَلِّي الَّذِي فِي الصَّحِيحِ - لَمَّا ذَكَرَ مُرُورَهُمْ عَلَى الصِّرَاطِ - قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {وَلَا يَتَكَلَّمُ أَحَدٌ إلَّا الرُّسُلُ وَدَعْوَى الرُّسُلِ: اللَّهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ} فَهَذَا فِي وَقْتِ الْمُرُورِ عَلَى الصِّرَاطِ. وَهُوَ بَعْدَ الْحِسَابِ وَالْمِيزَانِ. فَكَيْفَ بِمَا قَبْلَ ذَلِكَ؟ .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute