وَمِنْ الْإِثْبَاتِ نَفْيٌ وَاللَّفْظُ يَصِيرُ بِالِاسْتِعْمَالِ لَهُ مَعْنًى غَيْرَ مَا كَانَ يَقْتَضِيهِ أَصْلُ الْوَضْعِ. وَكَذَلِكَ يَكُونُ فِي الْأَسْمَاءِ الْمُفْرَدَةِ تَارَةً وَيَكُونُ فِي تَرْكِيبِ الْكَلَامِ أُخْرَى وَيَكُونُ فِي الْجُمَلِ الْمَنْقُولَةِ كَالْأَمْثَالِ السَّائِرَةِ جُمْلَةً فَيَتَغَيَّرُ الِاسْمُ الْمُفْرَدُ بِعُرْفِ الِاسْتِعْمَالِ عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ فِي الْأَصْلِ إمَّا بِالتَّعْمِيمِ وَإِمَّا بِالتَّخْصِيصِ وَإِمَّا بِالتَّحْوِيلِ؛ كَلَفْظِ الدَّابَّةِ وَالْغَائِطِ وَالرَّأْسِ. وَيَتَغَيَّرُ التَّرْكِيبُ بِالِاسْتِعْمَالِ عَمَّا كَانَ يَقْتَضِيهِ نَظَائِرُهُ كَمَا فِي زِيَادَةِ حَرْفِ النَّفْيِ فِي الْجُمَلِ السَّلْبِيَّةِ وَزِيَادَةِ النَّفْيِ فِي كَادَ وَبِنَقْلِ الْجُمْلَةِ عَنْ مَعْنَاهَا الْأَصْلِيِّ إلَى غَيْرِهِ كَالْجُمَلِ الْمُتَمَثِّلِ بِهَا كَمَا فِي قَوْلِهِمْ: " يَدَاك أَوْكَتَا وَفُوك نَفَخَ " و " عَسَى الْغُوَيْرُ أَبْؤُسَا ".
" الْوَجْهُ الثَّانِي " أَنَّهُ إذَا كَانَ لَا دِينَ أَحْسَنَ مِنْ هَذَا فَالْغَيْرُ إمَّا أَنْ يَكُونَ مِثْلُهُ أَوْ دُونَهُ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِثْلَهُ؛ لِأَنَّ الدِّينَ إذَا مَاثَلَ الدِّينَ وَسَاوَاهُ فِي جَمِيعِ الْوُجُوهِ كَانَ هُوَ إيَّاهُ وَإِنْ تَعَدَّدَ الْغَيْرَ لَكِنَّ النَّوْعَ وَاحِدٌ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقَعَ التَّمَاثُلُ وَالتَّسَاوِي بَيْنَ الدِّينَيْنِ الْمُخْتَلِفَيْنِ فَإِنَّ اخْتِلَافَهُمَا يَمْنَعُ تَمَاثُلَهُمَا؛ إذْ الِاخْتِلَافُ ضِدُّ التَّمَاثُلِ فَكَيْفَ يَكُونَانِ مُخْتَلِفَيْنِ مُتَمَاثِلَيْنِ؟ وَاخْتِلَافُهُمَا اخْتِلَافُ تَضَادٍّ لَا تَنَوُّعَ؛ فَإِنَّ أَحَدَ الدِّينَيْنِ يُعْتَقَدُ فِيهِ أُمُورٌ عَلَى أَنَّهَا حَقٌّ وَاجِبٌ وَالْآخَرُ يَقُولُ إنَّهَا بَاطِلٌ مُحَرَّمٌ. فَمِنْ الْمُحَالِ اسْتِوَاءُ هَذَيْنِ الِاعْتِقَادَيْنِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute