للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَكَذَلِكَ الِاقْتِصَادَانِ فَإِنَّ هَذَا يَقْصِدُ الْمَعْبُودَ بِأَنْوَاعِ مِنْ الْمَقَاصِدِ وَالْأَعْمَالِ وَالْآخَرَ يَقْصِدُهُ بِمَا يُضَادُّ ذَلِكَ وَيُنَافِيهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ تَنَوُّعُ طُرُقِ الْمُسْلِمِينَ وَمَذَاهِبِهِمْ؛ فَإِنَّ دِينَهُمْ وَاحِدٌ كُلٌّ مِنْهُمْ يَعْتَقِدُ مَا يَعْتَقِدُهُ الْآخَرُ وَيَعْبُدُهُ بِالدِّينِ الَّذِي يَعْبُدُهُ وَيُسَوِّغُ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ أَنْ يَعْمَلَ بِمَا تَنَازَعَ فِيهِ مِنْ الْفُرُوعِ فَلَمْ يَخْتَلِفَا؛ بَلْ نَقُولُ أَبْلَغُ مِنْ هَذَا أَنَّ الْقَدَرَ الَّذِي يَتَنَازَعُ فِيهِ الْمُسْلِمُونَ مِنْ الْفُرُوعِ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا أَحْسَنَ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنَّ هَذَا مَذْهَبُ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ الْمُوَافِقِينَ لِسَلَفِ الْأُمَّةِ عَلَى أَنَّ الْمُصِيبَ عِنْدَ اللَّهِ وَاحِدٌ فِي جَمِيعِ الْمَسَائِلِ فَذَاكَ الصَّوَابُ هُوَ أَحْسَنُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا يُقِرُّ الْآخَرَ. فَالْإِقْرَارُ عَلَيْهِ لَا يَمْنَعُ أَنْ يَكُونَ مَفْضُولًا مَرْجُوحًا وَإِنَّمَا يَمْنَعُ أَنْ يَكُونَ مُحَرَّمًا. وَإِذَا كَانَ هَذَا فِي دِقِّ الْفُرُوعِ فَمَا الظَّنُّ بِمَا تَنَازَعُوا فِيهِ مِنْ الْأُصُولِ؟ فَإِنَّهُ لَا خِلَافَ بَيْنِ الْمُسْلِمِينَ وَلَا بَيْنَ الْعُقَلَاءِ أَنَّ الْمُصِيبَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَاحِدٌ وَإِنَّمَا تَنَازَعُوا فِي الْمُخْطِئِ هَلْ يُغْفَرُ لَهُ أَوْ لَا يُغْفَرُ وَهَلْ يَكُونُ مُصِيبًا بِمَعْنَى أَدَاءِ الْوَاجِبِ؟ وَسُقُوطِ اللَّوْمِ لَا بِمَعْنَى صِحَّةِ الِاعْتِقَادِ؟ فَإِنَّ هَذَا لَا يَقُولُهُ عَاقِلٌ: أَنَّ الِاعْتِقَادَيْنِ الْمُتَنَاقِضَيْنِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ يَكُونُ كُلٌّ مِنْهُمَا صَوَابًا. فَتَلْخِيصُ الْأَمْرِ أَنَّ هَذَا الْمَقَامَ إنَّمَا فِيهِ تَفْضِيلُ قَوْلٍ وَعَمَلٍ عَلَى قَوْلٍ وَعَمَلٍ فَالْأَقْوَالُ وَالْأَعْمَالُ الْمُخْتَلِفَةُ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ تَفْضِيلِ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ