فِي الدُّنْيَا بِالْمَصَائِبِ بَيَّنَ بَعْدَ ذَلِكَ فَسَادَ دِينِ الْكُفَّارِ مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَأَهْلِ الْكِتَابِ بِقَوْلِهِ: {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى} الْآيَةَ. فَبَيَّنَ أَنَّ الْعَمَلَ الصَّالِحَ إنَّمَا يَقَعُ الْجَزَاءُ عَلَيْهِ فِي الْآخِرَةِ مَعَ الْإِيمَانِ وَإِنْ كَانَ قَدْ يُجْزَى بِهِ صَاحِبُهُ فِي الدُّنْيَا بِلَا إيمَانٍ فَوَقَعَ الرَّدُّ عَلَى الْكُفَّارِ مِنْ جِهَةِ جَزَائِهِمْ بِالسَّيِّئَاتِ وَمِنْ جِهَةِ أَنَّ حَسَنَاتِهِمْ لَا يَدْخُلُونَ بِهَا الْجَنَّةَ إلَّا مَعَ الْإِيمَانِ ثُمَّ بَيَّنَّ بَعْدِ هَذَا فَضْلَ الدِّينِ الْإِسْلَامِيِّ الْحَنَفِيِّ بِقَوْلِهِ: {وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا} فَجَاءَ الْكَلَامُ فِي غَايَةِ الْإِحْكَامِ. وَمِمَّا يُشْبِهُ هَذَا مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ نَهْيُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُفَضَّلُ بَيْنَ الْأَنْبِيَاءِ التَّفْضِيلَ الَّذِي فِيهِ انْتِقَاصُ الْمَفْضُولِ وَالْغَضُّ مِنْهُ كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {لَا تُفَضِّلُوا بَيْنَ الْأَنْبِيَاءِ} وَقَالَ: {لَا تُفَضِّلُونِي عَلَى مُوسَى} بَيَانٌ لِفَضْلِهِ وَبِهَذَيْنِ يَتِمُّ الدِّينُ. فَإِذَا كَانَ اللَّهُ هُوَ الْمَعْبُودُ وَصَاحِبُهُ قَدْ أَخْلَصَ لَهُ وَانْقَادَ وَعَمَلُهُ فِعْلَ الْحَسَنَاتِ فَالْعَقْلُ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ دِينٌ أَحْسَنَ مِنْ هَذَا؛ بِخِلَافِ دِينٍ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ وَأَسْلَمَ وَجْهَهُ لَهُ أَوْ زَعَمَ أَنَّهُ يَعْبُدُ اللَّهَ لَا بِإِسْلَامِ وَجْهِهِ؛ بَلْ يَتَكَبَّرُ كَالْيَهُودِ وَيُشْرِكُ كَالنَّصَارَى أَوْ لَمْ يَكُنْ مُحْسِنًا بَلْ فَاعِلًا لِلسَّيِّئَاتِ دُونَ الْحَسَنَاتِ وَهَذَا الْحُكْمُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute