للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

{يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ} وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: {آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلَاثٌ إذَا حَدَّثَ كَذَبَ وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ وَإِذَا اُؤْتُمِنَ خَانَ} وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ {عَلَى كُلِّ خُلُقٍ يُطْبَعُ الْمُؤْمِنُ إلَّا الْخِيَانَةَ وَالْكَذِبَ} وَمَثَلُ هَذَا كَثِيرٌ. وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَالْإِنْسَانُ كَيْفَ يَخُونُ نَفْسَهُ. وَهُوَ لَا يَكْتُمُهَا مَا يَقُولُهُ وَيَفْعَلُهُ سِرًّا عَنْهَا؟ كَمَا يَخُونُ مَنْ لَا يَشْهَدُهُ مِنْ النَّاسِ؟ كَمَا يَخُونُ اللَّهَ وَالرَّسُولَ إذَا لَمْ يُشَاهِدْهُ فَلَا يَكُونُ مِمَّنْ يَخَافُ اللَّهَ بِالْغَيْبِ وَلِمَ خُصَّتْ هَذِهِ الْأَفْعَالُ بِأَنَّهَا خِيَانَةٌ لِلنَّفْسِ دُونَ غَيْرِهَا؟ فَالْأَشْبَهُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: {تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ} مِثْلَ قَوْلِهِ: {إلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ} . وَالْبَصْرِيُّونَ يَقُولُونَ فِي مِثْلِ هَذَا: إنَّهُ مَنْصُوبٌ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ لَهُ وَيُخْرِجُونِ قَوْلَهُ: {سَفِهَ} عَنْ مَعْنَاهُ فِي اللُّغَةِ فَإِنَّهُ فِعْلٌ لَازِمٌ؛ فَيَحْتَاجُونَ أَنْ يَنْقُلُوهُ مِنْ اللُّزُومِ إلَى التَّعْدِيَةِ بِلَا حُجَّةٍ. وَأَمَّا الْكُوفِيُّونَ - كَالْفَرَّاءِ وَغَيْرِهِ وَمَنْ تَبِعَهُمْ - فَعِنْدَهُمْ أَنَّ هَذَا مَنْصُوبٌ عَلَى التَّمْيِيزِ وَعِنْدَهُمْ أَنَّ الْمُمَيَّزَ قَدْ يَكُونُ مَعْرِفَةً كَمَا يَكُونُ نَكِرَةً وَذَكَرُوا لِذَلِكَ شَوَاهِدَ كَثِيرَةً مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ مِثْلَ قَوْلِهِمْ: أَلِمَ فُلَانٌ