للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَهَؤُلَاءِ اجْتَهَدُوا فِي كِتْمَانِ سَرِقَةِ السَّارِقِ وَرَمْيِ غَيْرِهِ بِالسَّرِقَةِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ} فَكَانُوا خَائِنِينَ لِلصَّاحِبِ وَالرَّسُولِ وَقَدْ اكْتَسَبُوا الْخِيَانَةَ. وَكَذَلِكَ الَّذِينَ كَانُوا يُجَامِعُونَ بِاللَّيْلِ وَهُمْ يَجْتَهِدُونَ فِي أَنَّ ذَلِكَ لَا يَظْهَرُ عَنْهُمْ حِينَ يَفْعَلُونَهُ وَإِنْ أَظْهَرُوهُ فِيمَا بَعْدُ عِنْدِ التَّوْبَةِ أَمَّا عِنْدَ الْفِعْلِ فَكَانُوا يَحْتَاجُونَ مِنْ سَتْرِ ذَلِكَ وَإِخْفَائِهِ مَا لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ الْخَائِنُ وَحْدَهُ أَوْ يَكُونُ قَوْلُهُ: {تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ} أَيْ يَخُونُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا كَقَوْلِهِ: {فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} وَقَوْلُهُ: {ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ} وَقَوْلُهُ: {لَوْلَا إذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا} فَإِنَّ السَّارِقَ وَأَقْوَامًا خَانُوا إخْوَانَهُمْ الْمُؤْمِنِينَ. وَالْمَجَامِعُ إنْ كَانَ جَامَعَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ لَا تَعْلَمُ أَنَّهُ حَرَامٌ فَقَدْ خَانَهَا وَالْأَوَّلُ أَشْبَهُ. وَالصِّيَامُ مَبْنَاهُ عَلَى الْأَمَانَةِ فَإِنَّ الصَّائِمَ يُمْكِنُهُ الْفِطْرُ وَلَا يَدْرِي بِهِ أَحَدٌ فَإِذَا أَفْطَرَ سِرًّا فَقَدْ خَانَ أَمَانَتَهُ وَالْفِطْرُ بِالْجِمَاعِ الْمَسْتُورِ خِيَانَةٌ كَمَا أَنَّ أَخْذَ الْمَالِ سِرًّا وَإِخْبَارَ الرَّسُولِ وَالْمَظْلُومِ بِبَرَاءَةِ السَّقِيمِ وَسَقِمَ الْبَرِيءِ خِيَانَةٌ فَهَذَا كُلُّهُ خِيَانَةٌ وَالنَّفْسُ هِيَ الَّتِي خَانَتْ؛ فَإِنَّهَا تُحِبُّ الشَّهْوَةَ وَالْمَالَ وَالرِّئَاسَةَ وَخَانَ وَاخْتَانَ مِثْلُ كَسَبَ وَاكْتَسَبَ فَجَعَلَ الْإِنْسَانَ مُخْتَانًا.