للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَالرَّحْمَةِ كَمَا هُوَ مَبْسُوطٌ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ. فَإِنَّ الْمَقْصُودَ هُنَا أَنَّ نَفْيَ الضُّرِّ وَالنَّفْعِ عَمَّنْ سِوَاهُ عَامٌّ لَا يَجِبُ أَنْ يُخَصَّ هَذَا بِمَنْ عَبَدَهُ وَهَذَا بِمَنْ لَمْ يَعْبُدْهُ؛ وَإِنْ كَانَ هَذَا التَّخْصِيصُ حَقًّا بِاعْتِبَارِ صَحِيحٍ؛ وَجَوَابُ مَنْ أَجَابَ بِأَنَّ مَعْنَاهُ لَا يَضُرُّ تَرْكُ عِبَادَتِهِ وَضَرُّهُ بِعِبَادَتِهِ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ مَبْنِيٌّ عَلَى هَذَا التَّخْصِيصِ. وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَنَقُولُ: الْمَنْفِيُّ قُدْرَةُ مَنْ سِوَاهُ عَلَى الضُّرِّ وَالنَّفْعِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: {ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ} فَنَقُولُ أَوَّلًا: الْمَنْفِيُّ هُوَ فِعْلُهُمْ بِقَوْلِهِ: {مَا لَا يَضُرُّهُ وَمَا لَا يَنْفَعُهُ} وَالْمُثْبَتُ اسْمٌ مُضَافٌ إلَيْهِ فَإِنَّهُ لَمْ يَقُلْ: يَضُرُّ أَعْظَمَ مِمَّا يَنْفَعُ؛ بَلْ قَالَ: {لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ} وَالشَّيْءُ يُضَافُ إلَى الشَّيْءِ بِأَدْنَى مُلَابَسَةٍ فَلَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الضُّرُّ وَالنَّفْعُ الْمُضَافَيْنِ مِنْ بَابِ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ إلَى الْفَاعِلِ بَلْ قَدْ يُضَافُ الْمَصْدَرُ مِنْ جِهَةِ كَوْنِهِ اسْمًا كَمَا تُضَافُ سَائِرُ الْأَسْمَاءِ وَقَدْ يُضَافُ إلَى مَحَلِّهِ وَزَمَانِهِ وَمَكَانِهِ وَسَبَبِ حُدُوثِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَاعِلًا كَقَوْلِهِ: {بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ} وَلَا رَيْبَ أَنَّ بَيْنَ الْمَعْبُودِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَبَيْنَ ضَرَرِ عَابِدِيهِ تَعَلُّقٌ يَقْتَضِي الْإِضَافَةَ كَأَنَّهُ قِيلَ: لَمَنْ شَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ خَيْرِهِ وَخَسَارَتُهُ أَقْرَبُ مِنْ رِبْحِهِ؛ فَتَدَبَّرْ هَذَا. وَلَوْ جُعِلَ هُوَ فَاعِلَ الضُّرِّ بِهَذَا لِأَنَّهُ سَبَبٌ فِيهِ لَا لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي