فَعَلَ الضَّرَرَ وَهَذَا كَقَوْلِ الْخَلِيلِ عَنْ الْأَصْنَامِ: {رَبِّ إنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ} فَنُسِبَ الْإِضْلَالُ إلَيْهِنَّ وَالْإِضْلَالُ هُوَ ضَرَرٌ لِمَنْ أَضْلَلْنَهُ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: {وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ} وَهَذَا كَمَا يُقَالُ: أَهْلَكَ النَّاسَ الدِّرْهَمُ وَالدِّينَارُ وَأَهْلَكَ النِّسَاءَ الْأَحْمَرَانِ الذَّهَبُ وَالْحَرِيرُ؛ وَكَمَا يُقَالُ لِلْمَحْبُوبِ الْمَعْشُوقِ الَّذِي تَضُرُّ مَحَبَّتُهُ وَعِشْقُهُ: إنَّهُ عَذَّبَ هَذَا وَأَهْلَكَهُ وَأَفْسَدَهُ وَقَتَلَهُ وَعَثَّرَهُ؛ وَإِنْ كَانَ ذَاكَ الْمَحْبُوبُ قَدْ لَا يَكُونُ شَاعِرًا بِحَالِ هَذَا أَلْبَتَّةَ وَكَذَلِكَ يُقَالُ فِي الْمَحْسُودِ؛ إنَّهُ يُعَذِّبُ حَاسِدِيهِ وَإِنْ كَانَ لَا شُعُورَ لَهُ بِهِمْ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: {وَاَللَّهِ مَا الْفَقْرَ أَخْشَى عَلَيْكُمْ وَلَكِنْ أَخَافُ أَنْ تُبْسَطَ عَلَيْكُمْ الدُّنْيَا كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ فَتَتَنَافَسُوا فِيهَا كَمَا تَنَافَسُوا فِيهَا وَتُهْلِكُكُمْ كَمَا أَهْلَكَتْهُمْ} فَجَعَلَ الدُّنْيَا الْمَبْسُوطَةَ هِيَ الْمُهْلِكَةُ لَهُمْ: وَذَلِكَ بِسَبَبِ حُبِّهَا وَالْحِرْصِ عَلَيْهَا وَالْمُنَافَسَةِ فِيهَا وَإِنْ كَانَتْ مَفْعُولًا بِهَا لَا اخْتِيَارَ لَهَا فَهَكَذَا الْمَدْعُوُّ الْمَعْبُودُ مِنْ دُونِ اللَّهِ الَّذِي لَمْ يَأْمُرْ بِعِبَادَةِ نَفْسِهِ: إمَّا لِكَوْنِهِ جَمَادًا وَإِمَّا لِكَوْنِهِ عَبْدًا مُطِيعًا لِلَّهِ مِنْ الْمَلَائِكَةِ وَالْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ مِنْ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ فَمَا يُدْعَى مِنْ دُونِ اللَّهِ هُوَ لَا يَنْفَعُ وَلَا يَضُرُّ لَكِنْ هُوَ السَّبَبُ فِي دُعَاءِ الدَّاعِي لَهُ وَعِبَادَتِهِ إيَّاهُ. وَعِبَادَةُ ذَاكَ وَدُعَاؤُهُ هُوَ الَّذِي ضَرَّهُ فَهَذَا الضُّرُّ الْمُضَافُ إلَيْهِ غَيْرُ الضُّرِّ الْمَنْفِيِّ عَنْهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute