وَالتَّحْقِيقُ: أَنَّ السَّمْعَ أَوْسَعُ وَالْبَصَرَ أَخَصُّ وَأَرْفَعُ وَإِنْ كَانَ إدْرَاكُ السَّمْعِ أَكْثَرَ فَإِدْرَاكُ الْبَصَرِ أَكْمَلُ؛ وَلِهَذَا أَقْسَمَ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يُدْرِكَهُمْ بِسَمْعِهِ وَأَمَّا إدْرَاكُهُ إيَّاهُمْ بِالْبَصَرِ بِسِيمَاهُمْ فَقَدْ يَكُونُ وَقَدْ لَا يَكُونُ. فَأَخْبَرَ سُبْحَانَهُ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَسِمَ صَاحِبَ هَذِهِ الْأَخْلَاقِ الْخَبِيثَةِ عَلَى خُرْطُومِهِ وَهُوَ أَنْفُهُ الَّذِي هُوَ عُضْوُهُ الْبَارِزُ الَّذِي يَسْبِقُ الْبَصَرَ إلَيْهِ عِنْدَ مُشَاهَدَتِهِ؛ لِتَكُونَ السِّيمَا ظَاهِرَةً مِنْ أَوَّلِ مَا يَرَى وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي الْفَجَرَةِ الظَّلَمَةِ الَّذِينَ وَدَعَهُمْ النَّاسُ اتِّقَاءَ شَرِّهِمْ وَفُحْشِهِمْ فَإِنَّ لَهُمْ سِيمَا مِنْ شَرٍّ يُعْرَفُونَ بِهَا. وَكَذَلِكَ الْفَسَقَةُ وَأَهْلُ الرِّيَبِ. وَقَوْلُهُ: {إنَّا بَلَوْنَاهُمْ} إلَخْ. فِيهِ بَيَانُ حَالِ الْبُخَلَاءِ وَمَا يُعَاقَبُونَ بِهِ فِي الدُّنْيَا قَبْلَ الْآخِرَةِ مِنْ تَلَفِ الْأَمْوَالِ إمَّا إغْرَاقًا وَإِمَّا إحْرَاقًا وَإِمَّا نَهْبًا وَإِمَّا مُصَادَرَةً وَإِمَّا فِي شَهَوَاتِ الْغَيِّ وَإِمَّا فِي غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يُعَاقَبُ بِهِ الْبُخَلَاءُ الَّذِينَ يَمْنَعُونَ الْحَقَّ. وَلَيْسَ إقْدَامٌ فِي صَنَائِعِ الْمَعْرُوفِ وَهُوَ قَوْلُهُ {مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ} وَهُوَ أَحَدُ نَوْعَيْ الظُّلْمِ كَمَا أَخْبَرُوا بِهِ عَنْ نُفُوسِهِمْ فِي قَوْلِهِمْ: {يَا وَيْلَنَا إنَّا كُنَّا طَاغِينَ} وَكَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ} . وَتَضَمُّنُ عُقُوبَةِ الظَّالِمِ الْمَانِعِ لِلْحَقِّ أَوْ مُتَعَدِّي الْحَقِّ كَمَا يُعَاقِبُ اللَّهُ مَانِعَ الزَّكَاةِ وَهُوَ مَنَّاعٌ الْخَيْرَ وَآكِلَ الرِّبَا وَالْمَيْسِرِ: الَّذِي هُوَ أَكْلُ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ وَكُلٌّ مِنْهُمَا أَخْبَرَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ أَنَّهُ يُعَاقِبُهُ بِنَقِيضِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute