للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الْحُقُوقِ فِي الْأَحْوَالِ وَالْمَنَافِعِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَوَصَفَهُ بِالظُّلْمِ وَالْبُخْلِ وَالْكِبْرِ كَمَا فِي قَوْلِهِ: {إنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا} {الَّذِينَ يَبْخَلُونَ} الْآيَةَ. وَقَوْلُهُ: {سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ} فِيهِ إطْلَاقٌ يَتَضَمَّنُ الْوَسْمَ فِي الْآخِرَةِ وَفِي الدُّنْيَا أَيْضًا. فَإِنَّ اللَّهَ جَعَلَ لِلصَّالِحِينَ سيما وَجَعَلَ لِلْفَاجِرِينَ سيما. قَالَ تَعَالَى: {سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ} وَقَالَ يَظْهَرُ: {وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ} الْآيَةَ. فَجَعَلَ الْإِرَادَةَ وَالتَّعْرِيفَ بِالسِّيمَا الَّذِي يُدْرَكُ بِالْبَصَرِ مُعَلَّقًا عَلَى الْمَشِيئَةِ وَأَقْسَمَ عَلَى التَّعْرِيفِ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَهُوَ الصَّوْتُ الَّذِي يُدْرَكُ بِالسَّمْعِ. فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا بُدَّ أَنْ يُعْرَفُوا فِي أَصْوَاتِهِمْ وَكَلَامِهِمْ الَّذِي يَظْهَرُ فِيهِ لَحْنُ قَوْلِهِمْ وَهَذَا ظَاهِرٌ بَيِّنٌ لِمَنْ تَأَمَّلَهُ فِي النَّاسِ مِنْ أَهْلِ الْفِرَاسَةِ فِي الْأَقْوَالِ وَغَيْرِهَا مِمَّا يَظْهَرُ فِيهَا مِنْ النَّوَاقِضِ وَالْفُحْشِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَأَمَّا ظُهُورُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ عَلَى وُجُوهِهِمْ فَقَدْ يَكُونُ وَقَدْ لَا يَكُونُ وَدَلَّ عَلَى أَنَّ ظُهُورَ مَا فِي بَاطِنِ الْإِنْسَانِ عَلَى فَلَتَاتِ لِسَانِهِ أَقْوَى مِنْ ظُهُورِهِ عَلَى صَفَحَاتِ وَجْهِهِ؛ لِأَنَّ اللِّسَانَ تُرْجُمَانُ الْقَلْبِ فَإِظْهَارُهُ لِمَا أَكَنَّهُ أَوْكَدُ؛ وَلِأَنَّ دَلَالَةَ اللِّسَانِ قَالِيَةٌ وَدَلَالَةَ الْوَجْهِ حَالِيَّةٌ. وَالْقَوْلُ أَجْمَعُ وَأَوْسَعُ لِلْمَعَانِي الَّتِي فِي الْقَلْبِ مِنْ الْحَالِ؛ وَلِهَذَا فَضَّلَ مَنْ فَضَّلَ كَابْنِ قُتَيْبَةَ وَغَيْرِهِ السَّمْعَ عَلَى الْبَصَرِ.