لِلَّذِي عَلَّمَهُ دُعَاءَ النَّوْمِ: {اللَّهُمَّ أَسْلَمْت نَفَسِي إلَيْك وَوَجَّهْت وَجْهِي إلَيْك} وَقَالَ زَيْدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ نفيل: أَسْلَمْت وَجْهِي لِمَنْ أَسْلَمَتْ لَهُ الْمُزْنُ تَحْمِلُ عَذْبًا زُلَالًا فَهَذِهِ ثَلَاثَةُ أَلْفَاظٍ: أَسْلَمَ وَجْهَهُ وَوَجَّهَ وَجْهَهُ وَأَقَامَ وَجْهَهُ. قَالَ قُدَمَاءُ الْمُفَسِّرِينَ فِي قَوْله تَعَالَى أَسْلَمَ وَجْهَهُ أَيْ أَخْلَصَ فِي دِينِهِ وَعَمَلِهِ لِلَّهِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: فَوَّضَ أَمْرَهُ إلَى اللَّهِ وَقَدْ قِيلَ: خَضَعَ وَتَوَاضَعَ لِلَّهِ. وَهَذَا الثَّالِثُ يَلِيقُ بِالْإِسْلَامِ اللَّازِمِ فَإِنَّ وَجْهَهُ هُوَ قَصْدُهُ وَتَوَجُّهُهُ الَّذِي هُوَ أَصْلُ عَمَلِهِ وَهُوَ عَمَلُ قَلْبِهِ الَّذِي هُوَ مِلْكُ بَدَنِهِ فَإِذَا تَوَجَّهَ قَلْبُهُ تَبِعَهُ أَيْضًا تَوَجَّهَ وَجْهُهُ فَاسْتَتْبَعَ الْقَصْدَ الَّذِي هُوَ الْأَصْلُ مِنْ الْقَلْبِ الَّذِي هُوَ الْأَصْلُ لِلْعَمَلِ الَّذِي هُوَ تَبَعٌ مِنْ الْوَجْهِ وَسَائِرِ الْبَدَنِ الَّذِي هُوَ تَبَعٌ فَيَكُونُ قَدْ أَسْلَمَ عَمَلَهُ الْبَاطِنَ وَالظَّاهِرَ وَأَعْضَاءَهُ الْبَاطِنَةَ وَالظَّاهِرَةَ لِلَّهِ؛ أَيْ سَلَّمَهُ لَهُ وَأَخْلَصَهُ لِلَّهِ كَمَا فِي الْإِسْلَامِ اللَّازِمِ وَهُوَ قَوْلُهُ: {أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} وَقَوْلُهُ عَنْ بلقيس: {إنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} وَقَوْلُهُ عَنْ إبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ: {رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ} أَيْ مُنْقَادَةً مُخْلِصَةً. وَكَذَلِكَ تَوْجِيهُ الْوَجْهِ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ: تَوْجِيهَ قَصْدِهِ وَإِرَادَتِهِ وَعِبَادَتِهِ وَذَلِكَ يَسْتَتْبِعُ الْوَجْهَ وَغَيْرَهُ وَإِلَّا فَمُجَرَّدُ تَوْجِيهِ الْعُضْوِ مِنْ غَيْرِ عَمَلِ الْقَلْبِ لَا يُفِيدُ شَيْئًا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute