وَكَذَلِكَ الْعَقْلُ بِلَا سَمْعٍ لِمَا جَاءَتْ بِهِ الرُّسُلُ لَا يَنْفَعُ. وَقَدْ اعْتَرَفَ أَهْلُ النَّارِ بِمَجِيءِ الرُّسُلِ فَقَالُوا: {بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ} . وَكَذَلِكَ الْمُعْتَبِرِينَ بِآثَارِ الْمُعَذَّبِينَ الَّذِينَ قَالَ فِيهِمْ: {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا} . إنَّمَا يَنْتَفِعُونَ إذَا سَمِعُوا أَخْبَارَ الْمُعَذَّبِينَ الْمُكَذِّبِينَ لِلرُّسُلِ وَالنَّاجِينَ الَّذِينَ صَدَّقُوهُمْ فَسَمِعُوا قَوْلَ الرُّسُلِ وَصَدَّقُوهُمْ. الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ: أَنَّ الْخَشْيَةَ أَيْضًا سَبَبٌ لِلتَّذَكُّرِ كَمَا تَقَدَّمَ. فَكُلٌّ مِنْهُمَا قَدْ يَكُونُ سَبَبًا لِلْآخَرِ. فَقَدْ يَخَافُ الْإِنْسَانُ فَيَتَذَكَّرُ وَقَدْ يَتَذَكَّرُ الْأُمُورَ الْمَخُوفَةَ فَيَطْلُبُ النَّجَاةَ مِنْهَا وَيَتَذَكَّرُ مَا يَرْجُو بِهِ النَّجَاةَ مِنْهَا فَيَفْعَلُهُ. فَإِنْ قِيلَ: مُجَرَّدُ ظَنِّ الْخَوْفِ قَدْ يُوجِبُ الْخَوْفَ فَكَيْفَ قَالَ: {إنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} ؟ . قِيلَ: النَّفْسُ لَهَا هَوًى غَالِبٌ قَاهِرٌ لَا يَصْرِفُهُ مُجَرَّدُ الظَّنِّ وَإِنَّمَا يَصْرِفُهُ الْعِلْمُ بِأَنَّ الْعَذَابَ وَاقِعٌ لَا مَحَالَةَ. وَأَمَّا مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنَّ الْعَذَابَ يَقَعُ وَلَا يُوقِنُ بِذَلِكَ فَلَا يَتْرُكُ هَوَاهُ. وَلِهَذَا قَالَ: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى} .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute