للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَالثَّانِي: أَنَّ هَذَا الْجَوْهَرَ اتَّحَدَ بِالْمَسِيحِ وَتَدَرَّعَ بِهِ وَذَلِكَ الْجَوْهَرُ هُوَ الْأَبُ مِنْ وَجْهٍ وَهُوَ الِابْنُ مِنْ وَجْهٍ. فَلِهَذَا حَكَى اللَّهُ عَنْهُمْ تَارَةً أَنَّهُمْ يَقُولُونَ: الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ. وَتَارَةً أَنَّهُمْ يَقُولُونَ: إنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَأَمَّا حِكَايَتُهُ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ قَالُوا: إنْ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ فَالْمُفَسِّرُونَ يَقُولُونَ: اللَّهُ وَالْمَسِيحُ وَأُمُّهُ كَمَا قَالَ: {يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ} وَلِهَذَا قَالَ فِي سِيَاقِ الْكَلَامِ: {مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ} أَيْ غَايَةُ الْمَسِيحِ الرِّسَالَةُ وَغَايَةُ أُمِّهِ: الصديقية لَا يَبْلُغَانِ إلَى اللَّاهُوتِيَّةِ؛ فَهَذَا حُجَّةُ هَذَا. وَهُوَ ظَاهِرٌ. وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَزْعُمُ أَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ الْأَقَانِيمُ الثَّلَاثَةُ وَهِيَ الْأَبُ وَالِابْنُ وَرُوحُ الْقُدُسِ وَهَذَا فِيهِ نَظَرٌ. فَأَمَّا قَوْلُهُ: {وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ} {بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} فَإِنَّ قَوْلَهُ: {بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} أَيْ مُبْدِعُهُمَا كَمَا ذَكَرَ مِثْلَ ذَلِكَ فِي الْبَقَرَةِ؛ وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُمَا بَدِيعَةٌ سَمَاوَاتُهُ وَأَرْضُهُ كَمَا تَحْتَمِلُهُ الْعَرَبِيَّةُ لَوْلَا السِّيَاقُ. لِأَنَّ الْمَقْصُودَ نَفْيُ مَا زَعَمُوهُ مَنْ خَرْقِ الْبَنِينَ وَالْبَنَاتِ لَهُ وَمِنْ كَوْنِهِ اتَّخَذَ وَلَدًا.