وَهَذَا يَنْتَفِي بِضِدِّهِ كَوْنُهُ أَبْدَعَ السَّمَوَاتِ ثُمَّ قَالَ: {أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ} وَذَكَرَ ثَلَاثَةَ أَدِلَّةٍ عَلَى نَفْيِ ذَلِكَ. أَحَدُهَا: كَوْنُهُ لَيْسَ لَهُ صَاحِبَةٌ؛ فَهَذَا نَفْيُ الْوِلَادَةِ الْمَعْهُودَةِ: وَقَوْلُهُ: {وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ} نَفْيٌ لِلْوِلَادَةِ الْعَقْلِيَّةِ وَهِيَ التَّوَلُّدُ؛ لِأَنَّ خَلْقَ كُلِّ شَيْءٍ يُنَافِي تَوَلُّدَهَا عَنْهُ. وَقَوْلُهُ: {وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} يُشْبِهُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنْ يَكُونَ لَمَّا ادَّعَتْ النَّصَارَى أَنَّ الْمُتَّحِدَ بِهِ هُوَ الْكَلِمَةُ الَّتِي يُفَسِّرُونَهَا بِالْعِلْمِ وَالصَّابِئَةُ الْقَائِلُونَ بِالتَّوَلُّدِ وَالْعِلَّةِ لَا يَجْعَلُونَهُ عَالِمًا بِكُلِّ شَيْءٍ - ذَكَرَ أَنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ لِإِثْبَاتِ هَذِهِ الصِّفَةِ لَهُ رَدًّا عَلَى الصَّابِئَةِ وَنَفْيِهَا عَنْ غَيْرِهِ رَدًّا عَلَى النَّصَارَى. وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَقَوْلُ مَنْ قَالَ بِتَوَلُّدِ الْعُقُولِ وَالنُّفُوسِ - الَّتِي يَزْعُمُونَ أَنَّهَا الْمَلَائِكَةُ - أَظْهَرُ فِي كَوْنِهِمْ يَقُولُونَ إنَّهُ وَلَدَ الْمَلَائِكَةَ وَأَنَّهُمْ بَنُوهُ وَبَنَاتُهُ فَالْعُقُولُ بَنُوهُ وَالنُّفُوسُ بَنَاتُهُ: مِنْ قَوْلِ النَّصَارَى. وَدَخَلَ فِي هَذَا مَنْ تَفَلْسَفَ مِنْ الْمُنْتَسِبَةِ إلَى الْإِسْلَامِ حَتَّى أَنِّي أَعْرِفُ كَبِيرًا لَهُمْ سُئِلَ عَنْ الْعَقْلِ وَالنَّفْسِ: فَقَالَ بِمَنْزِلَةِ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى. فَقَدْ جَعَلَهُمْ كَالِابْنِ وَالْبِنْتِ وَهُمْ يَجْعَلُونَهُمْ متولدين عَنْهُ تَوَلُّدَ الْمَعْلُولِ عَنْ الْعِلَّةِ؛ فَلَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَفُكَّ ذَاتَهُ عَنْ مَعْلُولِهِ وَلَا مَعْلُولَهُ عَنْهُ كَمَا لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَفْصِلَ نَفْسَهُ عَنْ نَفْسِهِ بِمَنْزِلَةِ شُعَاعِ الشَّمْسِ مَعَ الشَّمْسِ وَأَبْلَغَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute