للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أَنْ يَجْعَلَ نَفْسَهُ مُتَكَلِّمًا وَمَنْ لَا يَكُونُ عَالِمًا يَمْتَنِعُ أَنْ يَجْعَلَ نَفْسَهُ عَالِمًا وَمَنْ لَا يَكُونُ حَيًّا يَمْتَنِعُ أَنْ يَجْعَلَ نَفْسَهُ حَيَّا. فَهَذِهِ الصِّفَاتُ مِنْ لَوَازِمِ ذَاتِهِ. وَكَذَلِكَ مَنْ لَا يَكُونُ خَالِقًا يَمْتَنِعُ أَنْ يَجْعَلَ نَفْسَهُ خَالِقًا. فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ قَادِرًا عَلَى أَنْ يَخْلُقَ فَجَعْلُهُ نَفْسَهُ خَالِقَةً أَعْظَمُ؛ فَيَكُونُ هَذَا مُمْتَنِعًا بِطَرِيقِ الْأَوْلَى فَإِنَّ جَعْلَ نَفْسِهِ خَالِقَةً يَسْتَلْزِمُ وُجُودَ الْمَخْلُوقِ. وَلِهَذَا لَمَّا كَانَ قَادِرًا عَلَى جَعْلِ الْإِنْسَانِ فَاعِلًا كَانَ هُوَ الْخَالِقُ لِمَا يَفْعَلُهُ الْإِنْسَانُ. فَلَوْ جَعَلَ نَفْسَهُ خَالِقَةً كَانَ هُوَ الْخَالِقُ لِمَا جَعَلَهَا تَخْلُقُهُ. فَإِذَا فُرِضَ أَنَّهُ يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ خَالِقًا فِي الْأَزَلِ امْتَنَعَ أَنْ يَجْعَلَ نَفْسَهُ خَالِقَةً بِوَجْهِ مِنْ الْوُجُوهِ. وَيُلْزَمُ مِنْ الْقَوْلِ بِامْتِنَاعِ الْفِعْلِ عَلَيْهِ فِي الْأَزَلِ امْتِنَاعُهُ دَائِمًا. وَقَدْ دَلَّتْ الْآيَةُ عَلَى أَنَّهُ خَلَقَ. فَعُلِمَ أَنَّهُ مَا زَالَ قَادِرًا عَلَى الْخَلْقِ مَا زَالَ يُمْكِنُهُ أَنْ يُخْلَقَ وَمَا زَالَ الْخَلْقُ مُمْكِنًا مَقْدُورًا. وَهَذَا يُبْطِلُ أَصْلَ الْجَهْمِيَّة. بَلْ وَإِذَا كَانَ قَادِرًا عَلَيْهِ فَالْمُوجِبُ لَهُ لَيْسَ شَيْئًا بَائِنًا مِنْ خَارِجٍ بَلْ هُوَ مِنْ نَفْسِهِ. فَيَمْتَنِعُ أَنْ يَجْعَلَ نَفْسَهُ مُرِيدَةً بَعْدَ أَنْ لَمْ تَكُنْ فَيَلْزَمُ أَنَّهُ مَا زَالَ مُرِيدًا قَادِرًا. وَإِذَا حَصَلَتْ الْقُدْرَةُ وَالْإِرَادَةُ وَجَبَ وُجُودُ الْمَقْدُورِ.