للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَأَهْلُ الْكَلَامِ الَّذِينَ يُنَازِعُونَ فِي هَذَا يَقُولُونَ لَمْ يَزَلْ قَادِرًا عَلَى مَا سَيَكُونُ. فَيُقَالُ لَهُمْ: الْقُدْرَةُ لَا تَكُونُ إلَّا مَعَ إمْكَانِ الْمَقْدُورِ إذَا كَانَتْ الْقُدْرَةُ دَائِمَةً؛ فَهَلْ كَانَ يُمْكِنُهُ أَنْ يَفْعَلَ الْمَقْدُورَ دَائِمًا؟ وَهُمْ يَقُولُونَ: لَا بَلْ الْإِمْكَانُ إمْكَانُ الْفِعْلِ حَادِثٌ. وَهَذَا يُنَاقِضُ إثْبَاتَ الْقُدْرَةِ وَإِنْ قَالُوا: بَلْ الْإِمْكَانُ حَاصِلٌ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَمْ يَزَلْ الْفِعْلُ مُمْكِنًا فَثَبَتَ إمْكَانُ وُجُودِ مَا لَا يَتَنَاهَى مِنْ مَقْدُورِ الرَّبِّ. وَحِينَئِذٍ؛ فَإِذَا كَانَ لَمْ يَزَلْ قَادِرًا وَالْفِعْلُ مُمْكِنًا وَهَذَا الْمُمْكِنُ قَدْ وُجِدَ فَمَا لَا يَزَالُ فَالْمُوجِبُ لِوُجُودِ جِنْسِ الْمَقْدُورِ كَالْإِرَادَةِ مَثَلًا إمَّا أَنْ يَكُونَ وُجُودُهَا فِي الْأَزَلِ مُمْتَنِعًا فَيَلْزَمُ امْتِنَاعُ الْفِعْلِ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُ مُمْكِنٌ. وَأَيْضًا إذَا كَانَ وُجُودُهَا مُمْتَنِعًا لَمْ يَزَلْ مُمْتَنِعًا لِأَنَّهُ لَا شَيْءَ هُنَاكَ يَجْعَلُهَا مُمْكِنَةً فَضْلًا عَنْ أَنْ تَكُونَ مَوْجُودَةً. وَمَعْلُومٌ أَنَّ وُجُودَهَا بَعْدَ أَنْ لَمْ تَكُنْ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ مُوجِبٍ. وَإِذَا كَانَ وُجُودُهَا فِي الْأَزَلِ مُمْكِنًا فَوُجُودُ هَذَا الْمُمْكِنِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى غَيْرِ ذَاتِهِ وَذَاتُهُ كَافِيَةٌ فِي حُصُولِهِ. فَيَلْزَمُ أَنَّهُ لَمْ يَزَلْ مُرِيدًا. وَهَكَذَا فِي جَمِيعِ صِفَاتِ الْكَمَالِ مَتَى ثَبَتَ إمْكَانُهَا فِي الْأَزَلِ لَزِمَ