للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَلِهَذَا قِيلَ لِأَبِي سَعِيدٍ الْخَرَّازِ بِمَ عَرَفْت اللَّهَ؟ قَالَ: " بِالْجَمْعِ بَيْنَ النَّقِيضَيْنِ ". وَأَرَادَ أَنَّهُ يَجْتَمِعُ لَهُ مَا يَتَنَاقَضُ فِي حَقِّ الْخَلْقِ كَمَا اجْتَمَعَ لَهُ أَنَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ مِنْ أَفْعَالِ الْعِبَادِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْأَعْيَانِ وَالْأَفْعَالِ مَعَ مَا فِيهَا مِنْ الْخُبْثِ وَأَنَّهُ عَدْلٌ حَكِيمٌ رَحِيمٌ. وَأَنَّهُ يُمَكِّنُ مَنْ مَكَّنَهُ مِنْ عِبَادِهِ مِنْ الْمَعَاصِي مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى مَنْعِهِمْ وَهُوَ فِي ذَلِكَ حَكِيمٌ عَادِلٌ. فَإِنَّهُ أَعْلَمُ الْأَعْلَمِينَ وَأَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ وَخَيْرُ الْفَاتِحِينَ؛ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ. فَأَنْ لَا يُحِيطُوا عِلْمًا بِمَا هُوَ أَعْظَمُ فِي ذَلِكَ أَوْلَى وَأَحْرَى. وَقَدْ سَأَلُوا عَنْ الرُّوحِ فَقِيلَ لَهُمْ {الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إلَّا قَلِيلًا} . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ {أَنَّ الْخَضِرَ قَالَ لِمُوسَى لَمَّا نَقَرَ عُصْفُورٌ فِي الْبَحْرِ: مَا نَقَصَ عِلْمِي وَعِلْمك مِنْ عِلْمِ اللَّهِ إلَّا كَمَا نَقَصَ هَذَا الْعُصْفُورُ مِنْ هَذَا الْبَحْرِ} . فَاَلَّذِي يُنْفَى عَنْهُ وَيُنَزَّهُ عَنْهُ إمَّا أَنْ يَكُونَ مُنَاقِضًا لَمَّا عُلِمَ مِنْ صِفَاتِهِ الْكَامِلَةِ فَهَذَا يُنْفَى عَنْهُ جِنْسُهُ كَمَا قَالَ: {اللَّهُ لَا إلَهَ إلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ} وَقَالَ {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ} . فَجِنْسُ السِّنَةِ وَالنَّوْمِ وَالْمَوْتِ مُمْتَنِعٌ عَلَيْهِ لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذَا " إنَّهُ يَجُوزُ عَلَيْهِ كَمَا يَلِيقُ بِشَأْنِهِ " لِأَنَّ هَذَا الْجِنْسَ يُوجِبُ نَقْصًا فِي كَمَالِهِ.