للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَالْأَوَّلُ وَإِنْ كَانَ مَعْنَاهُ صَحِيحًا فَهُوَ جُزْءٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ. وَأَمَّا كَوْنُ الثَّانِي هُوَ الْمُرَادُ بِالْآيَةِ فَغَلَطٌ لِأَنَّ كَوْنَ الرَّبِّ سُبْحَانَهُ يَعْلَمُ الشَّيْءَ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مَحْمُودٌ وَلَا مَذْمُومٌ. وَهُوَ سُبْحَانَهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ. فَلَا يَقُولُ أَحَدٌ إنَّهُ أَنْزَلَهُ وَهُوَ لَا يَعْلَمُهُ. لَكِنْ قَدْ يُظَنُّ أَنَّهُ أَنْزَلَ بِغَيْرِ عِلْمِهِ أَيْ وَلَيْسَ فِيهِ عِلْمُهُ وَأَنَّهُ مِنْ تَنْزِيلِ الشَّيْطَانِ كَمَا قَالَ تَعَالَى {هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ} {تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ} وَالشَّيَاطِينُ هُوَ يُرْسِلُهُمْ وَيُنْزِلُهُمْ لَكِنَّ الْكَلَامَ الَّذِي يَأْتُونَ بِهِ لَيْسَ مُنَزَّلًا مِنْهُ؛ وَلَا هُوَ مُنَزَّلٌ بِعِلْمِ اللَّهِ بَلْ مُنَزَّلٌ بِمَا تَقُولهُ الشَّيَاطِينُ مِنْ كَذِبٍ وَغَيْرِهِ. وَلِهَذَا هُوَ سُبْحَانَهُ إذَا ذَكَرَ نُزُولَ الْقُرْآنِ قَيَّدَهُ بِأَنَّ نُزُولَهُ مِنْهُ كَقَوْلِهِ {تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ} {وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ} {قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ} وَهَذَا مِمَّا اسْتَدَلَّ بِهِ الْإِمَامُ أَحْمَد وَغَيْرُهُ مِنْ أَئِمَّةِ السُّنَّةِ عَلَى أَنَّ الْقُرْآنَ كَلَامُ اللَّهِ لَيْسَ بِمَخْلُوقِ خَلَقَهُ فِي مَحَلٍّ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ كَانَ يَكُونُ مُنَزَّلًا مِنْ ذَلِكَ الْمَحَلِّ لَا مِنْ اللَّهِ. وَقَالَ إنَّهُ نَزَلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَإِنَّهُ مِنْ عِلْمِ اللَّهِ وَعِلْمُ اللَّهِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ.