وَكَذَلِكَ لَوْ أَرَادَ الِانْتِهَاءَ عَنْ الْكُفْرِ وَالْإِيمَانِ لَقِيلَ " حَتَّى تَأْتِيَهُمْ الْبَيِّنَةُ " أَيْ لَمْ يَكُونُوا يَعْرِفُونَ الْحَقَّ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ نَبِيٌّ يُعَرِّفُهُمْ أَوْ لَمْ يَكُونُوا مُتَّعِظِينَ عَامِلِينَ حَتَّى يَأْتِيَ مَنْ يَعِظُهُمْ وَيُذَكِّرُهُمْ. فَلَيْسَ هَذَا مَوْضِعَ الْمَاضِي بِخِلَافِ مَا لَوْ قِيلَ: " مَا زَالُوا كَافِرِينَ حَتَّى أَتَاهُمْ ". فَالْآيَةُ تَتَضَمَّنُ الْإِخْبَارَ عَنْ وُجُوبِ إثْبَاتِ الْبَيِّنَةِ وَامْتِنَاعِ الِانْفِكَاكِ بِدُونِهَا. لَمْ يَقْصِدْ بِهَا مُجَرَّدَ الْخَبَرِ عَنْ عَدَمِ الِانْفِكَاكِ ثُمَّ ثُبُوتِهِ فِي الْمَاضِي. وَهُوَ كَمَا لَوْ قِيلَ " لَمْ يَكُونُوا يَنْفَكُّوا حَتَّى تَأْتِيَهُمْ الْبَيِّنَةُ " لَكِنْ هُنَا ذَكَرَ اسْمَ الْفَاعِلِينَ فَقِيلَ " مُنْفَكِّينَ ". وَهُوَ سُبْحَانَهُ لَمَّا ذَكَرَ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ إرْسَالِ الرُّسُلِ إلَى الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَأَهْلِ الْكِتَابِ لِتَقُومَ عَلَيْهِمْ الْحُجَّةُ بِذَلِكَ ذَكَرَ بَعْدَ هَذَا أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ الَّذِينَ آمَنُوا بِالرُّسُلِ مَا تَفَرَّقُوا إلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمْ الْبَيِّنَةُ وَقَامَتْ عَلَيْهِمْ الْحُجَّةُ. فَبَيِّنَاتُ اللَّهِ وَحُجَّتُهُ قَامَتْ عَلَى هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ. وَهُوَ لَمْ يُعَذِّبْ وَاحِدًا مِنْ الْحِزْبَيْنِ إلَّا بَعْدَ أَنْ جَاءَتْهُمْ الْبَيِّنَةُ وَقَامَتْ عَلَيْهِمْ الْحُجَّةُ كَمَا فِي قِصَّةِ مُوسَى وَمَنْ أُرْسِلَ إلَيْهِ. فَإِنَّ اللَّه لَمْ يَدَعْ فِرْعَوْنَ وَقَوْمَهُ حَتَّى أَرْسَلَ إلَيْهِمْ مُوسَى وَلَمْ يُعَذِّبْهُمْ إلَّا بَعْدَ إقَامَةِ الْحُجَّةِ. ثُمَّ لَمَّا آمَنَ بَنُو إسْرَائِيلَ بِالْكُتُبِ وَالرُّسُلِ لَمْ يَتَفَرَّقُوا وَيَخْتَلِفُوا إلَّا مِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute