للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} وَالنُّسُكُ هِيَ الذَّبِيحَةُ ابْتِغَاءَ وَجْهِهِ. وَالْمَقْصُودُ: أَنَّ الصَّلَاةَ وَالنُّسُك هُمَا أَجَلُّ مَا يُتَقَرَّبُ بِهِ إلَى اللَّهِ فَإِنَّهُ أَتَى فِيهِمَا بِالْفَاءِ الدَّالَّةِ عَلَى السَّبَبِ؛ لِأَنَّ فِعْلَ ذَلِكَ وَهُوَ الصَّلَاةُ وَالنَّحْرُ سَبَبٌ لِلْقِيَامِ بِشُكْرِ مَا أَعْطَاهُ اللَّهُ إيَّاهُ مِنْ الْكَوْثَرِ وَالْخَيْرِ الْكَثِيرِ فَشُكْرُ الْمُنْعِمِ عَلَيْهِ وَعِبَادَتُهُ أَعْظَمُهَا هَاتَانِ الْعِبَادَتَانِ بَلْ الصَّلَاةُ نِهَايَةُ الْعِبَادَاتِ وَغَايَةُ الْغَايَاتِ. كَأَنَّهُ يَقُولُ: {إنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} الْخَيْرَ الْكَثِيرَ وَأَنْعَمْنَا عَلَيْك بِذَلِكَ لِأَجْلِ قِيَامِك لَنَا بِهَاتَيْنِ الْعِبَادَتَيْنِ شُكْرًا لِإِنْعَامِنَا عَلَيْك وَهُمَا السَّبَبُ لِإِنْعَامِنَا عَلَيْك بِذَلِكَ فَقُمْ لَنَا بِهِمَا فَإِنَّ الصَّلَاةَ وَالنَّحْرَ مَحْفُوفَانِ بِإِنْعَامِ قَبْلِهِمَا وَإِنْعَامٍ بَعْدِهِمَا وَأَجَلُّ الْعِبَادَاتِ الْمَالِيَّةِ النَّحْرُ وَأَجَلُّ الْعِبَادَاتِ الْبَدَنِيَّةِ الصَّلَاةُ وَمَا يَجْتَمِعُ لِلْعَبْدِ فِي الصَّلَاةِ لَا يَجْتَمِعُ لَهُ فِي غَيْرِهَا مِنْ سَائِرِ الْعِبَادَاتِ كَمَا عَرَفَهُ أَرْبَابُ الْقُلُوبِ الْحَيَّةِ وَأَصْحَابُ الْهِمَمِ الْعَالِيَةِ وَمَا يَجْتَمِعُ لَهُ فِي نَحْرِهِ مِنْ إيثَارِ اللَّهِ وَحُسْنِ الظَّنِّ بِهِ وَقُوَّةِ الْيَقِينِ وَالْوُثُوقِ بِمَا فِي يَدِ اللَّهِ أَمْرٌ عَجِيبٌ إذَا قَارَنَ ذَلِكَ الْإِيمَانَ وَالْإِخْلَاصَ وَقَدْ امْتَثَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمْرَ رَبِّهِ فَكَانَ كَثِيرَ الصَّلَاةِ لِرَبِّهِ كَثِيرَ النَّحْرِ حَتَّى نَحَرَ بِيَدِهِ فِي حِجَّةِ الْوَدَاعِ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ بَدَنَةً وَكَانَ يَنْحَرُ فِي الْأَعْيَادِ وَغَيْرِهَا. وَفِي قَوْلِهِ: {إنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} إشَارَةٌ إلَى