للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أَعْظَمَ مِنْ إيمَانِهِ وَدَرَجَتِهِ عِنْدَ اللَّهِ وَأَجْرِهِ مِنْ صَبْرِهِ عَلَى ظُلْمِ إخْوَتِهِ لَهُ؛ وَلِهَذَا يَعْظُمُ يُوسُفُ بِهَذَا أَعْظَمَ مِمَّا يَعْظُمُ بِذَلِكَ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى فِيهِ: {كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ} وَهَذَا كَالصَّبْرِ عَنْ الْمَعَاصِي مَعَ الصَّبْرِ عَلَى الْمَصَائِبِ فَالْأَوَّلُ أَعْظَمُ وَهُوَ صَبْرُ الْمُتَّقِينَ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ. قَالَ سَهْلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ التستري: أَفْعَالُ الْبِرِّ يَفْعَلُهَا الْبَرُّ وَالْفَاجِرُ وَلَنْ يَصْبِرَ عَنْ الْمَعَاصِي إلَّا صِدِّيقٌ وَيُوسُفُ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا. وَأَمَّا مَنْ يُظْلَمُ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ وَيَصْبِرُ فَهَذَا كَثِيرٌ وَمَنْ لَمْ يَصْبِرْ صَبْرَ الْكِرَامِ سَلَا سَلْوَ الْبَهَائِمِ. وَكَذَلِكَ إذَا مُكِّنَ الْمَظْلُومُ وَقَهَرَ ظَالِمَهُ فَتَابَ الظَّالِمُ وَخَضَعَ لَهُ فَعَفْوُهُ عَنْهُ مِنْ الْمَحَاسِنِ وَالْفَضَائِلِ لَكِنَّ هَذَا يَفْعَلُهُ خَلْقٌ كَثِيرُ مِنْ أَهْلِ الدِّينِ وَعُقَلَاءِ الدُّنْيَا فَإِنَّ حِلْمَ الْمُلُوكِ وَالْوُلَاةِ أَجْمَعُ لِأَمْرِهِمْ وَطَاعَةِ النَّاسِ لَهُمْ وَتَأْلِيفِهِمْ لِقُلُوبِ النَّاسِ وَكَانَ مُعَاوِيَةُ مِنْ أَحْلَمِ النَّاسِ وَكَانَ الْمَأْمُونُ حَلِيمًا حَتَّى كَانَ يَقُولُ: لَوْ عَلِمَ النَّاسُ مَحَبَّتِي فِي الْعَفْوِ تَقَرَّبُوا إلَيَّ بِالذُّنُوبِ وَلِهَذَا لَمَّا قَدَرَ عَلَى مَنْ نَازَعَهُ فِي الْمُلْكِ - وَهُوَ عَمُّهُ إبْرَاهِيمُ بْنُ الْمَهْدِيِّ - عَفَا عَنْهُ. وَأَمَّا الصَّبْرُ عَنْ الشَّهَوَاتِ وَالْهَوَى الْغَالِبِ لِلَّهِ لَا رَجَاءً لِمَخْلُوقِ وَلَا خَوْفًا مِنْهُ مَعَ كَثْرَةِ الدَّوَاعِي إلَى فِعْلِ الْفَاحِشَةِ وَاخْتِيَارِهِ الْحَبْسَ الطَّوِيلَ عَلَى ذَلِكَ كَمَا قَالَ يُوسُفُ: {رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إلَيْهِ} فَهَذَا لَا يُوجَدُ نَظِيرُهُ إلَّا فِي خِيَارِ عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ وَأَوْلِيَائِهِ