قَدْ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِ وَيَعْفُو عَنْهُ وَأَنَّ الْمَظْلُومَ يَنْبَغِي لَهُ الْعَفْوُ عَنْ ظَالِمِهِ إذَا قَدَرَ عَلَيْهِ. وَبِهَذَا {اعْتَبَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ لَمَّا قَامَ عَلَى بَابِ الْكَعْبَةِ وَقَدْ أَذَلَّ اللَّهُ لَهُ الَّذِينَ عَادُوهُ وَحَارَبُوهُ مِنْ الطُّلَقَاءِ - فَقَالَ: مَاذَا أَنْتُمْ قَائِلُونَ؟ فَقَالُوا: نَقُولُ أَخٌ كَرِيمٌ وَابْنُ عَمٍّ كَرِيمٌ. فَقَالَ: إنِّي قَائِلٌ لَكُمْ كَمَا قَالَ يُوسُفُ لِإِخْوَتِهِ: {لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} } . وَكَذَلِكَ {عَائِشَةُ لَمَّا ظُلِمَتْ وَافْتُرِيَ عَلَيْهَا وَقِيلَ لَهَا: إنْ كُنْت أَلْمَمْت بِذَنْبِ فَاسْتَغْفِرِي اللَّهَ وَتُوبِي إلَيْهِ فَقَالَتْ فِي كَلَامِهَا: أَقُولُ كَمَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} } . فَفِي قِصَّةِ يُوسُفَ أَنْوَاعٌ مِنْ الْعِبْرَةِ لِلْمَظْلُومِ وَالْمَحْسُودِ وَالْمُبْتَلَى بِدَوَاعِي الْفَوَاحِشِ وَالذُّنُوبِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. لَكِنْ أَيْنَ قِصَّةُ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَالْمَسِيحِ وَنَحْوِهِمْ مِمَّنْ كَانَتْ قِصَّتُهُ أَنَّهُ دَعَا الْخَلْقَ إلَى عِبَادَةِ اللَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ فَكَذَّبُوهُ وَآذَوْهُ وَآذَوْا مَنْ آمَنَ بِهِ؟ فَإِنَّ هَؤُلَاءِ أُوذُوا اخْتِيَارًا مِنْهُمْ لِعِبَادَةِ اللَّهِ فَعُودُوا وَأُوذُوا فِي مَحَبَّةِ اللَّهِ وَعِبَادَتِهِ بِاخْتِيَارِهِمْ فَإِنَّهُمْ لَوْلَا إيمَانُهُمْ وَدَعْوَتُهُمْ الْخَلْقَ إلَى عِبَادَةِ اللَّهِ لَمَا أُوذُوا وَهَذَا بِخِلَافِ مَنْ أُوذِيَ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ كَمَا أُخِذَ يُوسُفُ مِنْ أَبِيهِ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ وَلِهَذَا كَانَتْ مِحْنَةُ يُوسُفَ بِالنِّسْوَةِ وَامْرَأَةِ الْعَزِيزِ وَاخْتِيَارِهِ السِّجْنَ عَلَى مَعْصِيَةِ اللَّهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute