وَأَمَّا الْإِرَادَةُ الَّتِي يُقَالُ فِيهَا إنَّهَا تَخُصُّ أَحَدَ الْمِثْلَيْنِ عَنْ الْآخَرِ بِلَا سَبَبٍ فَتِلْكَ هَلْ يُوصَفُ اللَّهُ بِهَا؟ فِيهِ نِزَاعٌ. فَإِنْ قِيلَ: إنَّهُ لَا يُوصَفُ بِهَا فَلَا كَلَامَ وَإِنْ قِيلَ: إنَّهُ يُوصَفُ بِهَا فَمَعْلُومٌ أَنَّ تَخْصِيصَ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمْ السَّلَامُ بِهَذَا وَتَخْصِيصَ أَعْدَائِهِمْ بِهَذَا لَمْ يَصْدُرْ عَنْ تَخْصِيصٍ بِلَا مُخَصَّصٍ؛ بَلْ يُعْلَمُ أَنَّهُ قَصَدَ تَخْصِيصَ هَؤُلَاءِ بِالْإِكْرَامِ وَهَؤُلَاءِ بِالْعِقَابِ وَأَنَّ إيمَانَ هَؤُلَاءِ سَبَبُ تَخْصِيصِهِمْ بِهَذَا وَكَفْرَ هَؤُلَاءِ سَبَبُ تَخْصِيصِهِمْ بِهَذَا. وَلِبَسْطِ هَذِهِ الْأُمُورِ مَوْضِعٌ آخَرُ. لَكِنَّ الْمَقْصُودَ هُنَا أَنَّ هَذِهِ الثَّلَاثَةَ دَاخِلَةٌ فِي الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ. وَلَكِنْ أَبُو حَامِدٍ يَجْعَلُ الْحِجَاجَ صَنْعَةَ الْكَلَامِ وَيَجْعَلُ عِمَارَةَ الطَّرِيقِ عِلْمَ الْفِقْهِ وَيَجْعَلُ أَخْبَارَ الْأَنْبِيَاءِ عِلْمَ الْقَصَصِ وَيَقُولُ: إنَّ الْكَلَامَ وَالْجَدَلَ لَيْسَ فِيهِ بَيَانُ حَقٍّ بِدَلِيلِ؛ بَلْ إنَّمَا فِيهِ دَفْعُ الْبِدَعِ بِبَيَانِ تَنَاقُضِهَا؛ وَيَجْعَلُ أَهْلَهُ مِنْ جِنْسِ خُفَرَاءِ الْحَجِيجِ وَيَجْعَلُ عِلْمَ الْفِقْهِ لَيْسَ غَايَتُهُ إلَّا مَصْلَحَةَ الدُّنْيَا وَهَذَا مِمَّا نَازَعَهُ فِيهِ أَكْثَرُ النَّاسِ وَتَكَلَّمُوا فِيهِ بِكَلَامِ لَيْسَ هَذَا مَوْضِعَهُ كَمَا تَكَلَّمُوا عَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي هَذَا الْكِتَابِ (جَوَاهِرِ الْقُرْآنِ) وَغَيْرِهِ مِنْ كُتُبِهِ مِنْ مَعَانِي الْفَلْسَفَةِ وَجَعَلَ ذَلِكَ هُوَ بَاطِنَ الْقُرْآنِ وَكَلَامُ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى رَدِّ هَذَا أَكْثَرُ مِنْ كَلَامِهِمْ عَلَى رَدِّ ذَلِكَ؛ فَإِنَّ هَذَا فِيهِ مِمَّا يُنَاقِضُ مَقْصُودَ الرَّسُولِ أُمُورٌ عَظِيمَةٌ كَمَا تَكَلَّمُوا عَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي النُّبُوَّةِ بِمَا يُشْبِهُ كَلَامَ الْفَلَاسِفَةِ فِيهَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute