الْجَوَابُ الثَّانِي: أَنَّهُ تَعَالَى إنَّمَا وَعَدَ أَنَّهُ إذَا نَسَخَ آيَةً أَوْ نَسَأَهَا أَتَى بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا لَمَّا أَنْزَلَ هَذِهِ الْآيَةَ قَوْلُهُ {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} فَإِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ جُمْلَةٌ شَرْطِيَّةٌ تَضَمَّنَتْ وَعْدَهُ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَأْتِيَ بِذَلِكَ وَهُوَ الصَّادِقُ الْمِيعَادُ. فَمَا نَسَخَهُ بَعْدَ هَذِهِ الْآيَةِ أَوْ أَنْسَأَ نُزُولَهُ مِمَّا يُرِيدُ إنْزَالَهُ يَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهُ أَوْ مِثْلِهِ. وَأَمَّا مَا نَسَخَهُ قَبْلَ هَذِهِ أَوْ أَنْسَأَهُ فَلَمْ يَكُنْ قَدْ وَعَدَ حِينَئِذٍ أَنَّهُ يَأْتِي بِخَيْرٍ مِنْهُ أَوْ مِثْلِهِ. وَبِهَذَا أَيْضًا يَنْدَفِعُ الْجَوَابُ عَنْ الْفَاتِحَةِ فَإِنَّهُ لَا رَيْبَ أَنَّهُ تَأَخَّرَ نُزُولُهَا عَنْ سُورَةِ {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} وَهِيَ أَفْضَلُ مِنْهَا. فَعُلِمَ أَنَّهُ قَدْ يَتَأَخَّرُ إنْزَالُ الْفَاضِلِ وَأَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ مَا تَأَخَّرَ نُزُولُهُ نَزَلَ قَبْلَهُ مِثْلُهُ أَوْ خَيْرٌ مِنْهُ. لَكِنْ إذَا كَانَ الْمَوْعُودُ بِهِ بَعْدَ الْوَعْدِ لَمْ يَرُدَّ هَذَا السُّؤَالَ. يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ {مَا نَنْسَخْ} فَإِنَّ هَذَا الْفِعْلَ الْمُضَارِعَ الْمَجْزُومَ إنَّمَا يَتَنَاوَلُ الْمُسْتَقْبَلَ وَجَوَازِمَ الْفِعْلِ " إنَّ " وَأَخَوَاتِهَا وَنَوَاصِبَهُ تَخَلُّصُهُ لِلِاسْتِقْبَالِ. وَقَدْ يُجَابُ بِجَوَابِ ثَالِثٍ وَهُوَ أَنْ يُقَالَ: مَا نَزَلَ فِي وَقْتِهِ كَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُ خَيْرًا لَهُمْ فِي وَقْتٍ آخَرَ وَحِينَئِذٍ فَيَكُونُ فَضْلُ بَعْضِهِ عَلَى بَعْضٍ عَلَى وَجْهَيْنِ: لَازِمٌ كَفَضْلِ آيَةِ الْكُرْسِيِّ وَفَاتِحَةِ الْكِتَابِ و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} وَفَضْلٌ عَارِضٌ بِحَيْثُ تَكُونُ هَذِهِ أَفْضَلَ فِي وَقْتٍ وَهَذِهِ أَفْضَلَ فِي وَقْتٍ آخَرَ كَمَا قَدْ يُقَالُ فِي آيَةِ التَّخْيِيرِ لِلْمُقِيمِ بَيْنَ الصَّوْمِ وَالْفِطْرِ مَعَ الْفِدْيَةِ وَمَعَ آيَةِ إيجَابِ الصَّوْمِ عَزْمًا. وَهَذَا كَمَا أَنَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute