حِينِ نُسِخَ بَعْدُ أَوْلَى وَأَحْرَى وَلِأَنَّهُ قَدْ عُلِمَ أَنَّ الْقُرْآنَ نَزَلَ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ فَلَوْ كَانَ مَا يُنْزِلُهُ بَدَلًا عَنْ الْمَنْسُوخِ يُؤَخِّرُهُ لَمْ يُعْرَفْ أَنَّهُ بَدَلٌ وَلَمْ يَتَمَيَّزْ الْبَدَلُ مِنْ غَيْرِهِ وَلَمْ يَكُنْ لِقَوْلِهِ {نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} فَائِدَةٌ إلَّا كَالْفَائِدَةِ الْمَعْلُومَةِ لَوْ لَمْ يُنْسَخْ شَيْءٌ. غَايَةُ مَا يُقَالُ: أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُنْسَخْ شَيْءٌ لَجَازَ أَنْ لَا يَنْزِلَ بَعْدَ ذَلِكَ شَيْءٌ وَإِذَا نُسِخَ شَيْءٌ فَلَا بُدَّ مِنْ بَدَلِهِ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ. وَهَذَا مِمَّا يَعْتَقِدُونَهُ فَإِنَّهُمْ قَدْ اعْتَادُوا نُزُولَ الْقُرْآنِ عِنْدَ الْحَوَادِثِ وَالْمَسَائِلِ وَالْحَاجَةِ فَمَا كَانُوا يَظُنُّونَهُ - إذَا نُسِخَتْ آيَةٌ - أَنْ لَا يُنْزَلْ بَعْدَهَا شَيْءٌ فَإِنَّهَا لَوْ لَمْ تُنْسَخْ لَمْ يَظُنُّوا ذَلِكَ فَكَيْفَ يَظُنُّونَ إذَا نُسِخَتْ؟ الثَّانِي: أَنَّهُ إذَا كَانَ قَدْ ضَمِنَ لَهُمْ الْإِتْيَانَ بِالْبَدَلِ عَنْ الْمَنْسُوخِ عُلِمَ أَنَّ مَقْصُودَهُ أَنَّهُ لَا يَنْقُصُهُمْ شَيْءٌ مِمَّا أَنْزَلَهُ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ مِثْلِ الْمَرْفُوعِ أَوْ خَيْرٍ مِنْهُ وَلَوْ بَقُوا مُدَّةً بِلَا بَدَلٍ لَنَقَصُوا. وَأَيْضًا فَإِنَّ هَذَا وَعْدٌ مُعَلَّقٌ بِشَرْطِ وَالْوَعْدُ الْمُعَلَّقُ بِشَرْطِ يَلْزَمُ عَقِبَهُ فَإِنَّهُ مِنْ جِنْسِ الْمُعَاوَضَةِ وَذَلِكَ مِمَّا يَلْزَمُ فِيهِ أَدَاءُ الْعِوَضِ عَلَى الْفَوْرِ إذَا قَبَضَ الْمُعَوَّضَ كَمَا إذَا قَالَ: مَا أَلْقَيْت مِنْ مَتَاعِك فِي الْبَحْرِ فَعَلَيَّ بَدَلُهُ وَلَيْسَ هَذَا وَعْدًا مُطْلَقًا كَقَوْلِهِ {لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ} . وَلِهَذَا يُفَرَّقُ بَيْنَ قَوْلِهِ: وَاَللَّهِ لَأُعْطِيَنَّكَ مِائَةً وَبَيْنَ قَوْلِهِ: وَاَللَّهِ لَا آخُذُ مِنْك شَيْئًا إلَّا أَعْطَيْتُك بَدَلَهُ فَإِنَّ هَذَا وَاجِبٌ عَلَى الْفَوْرِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute