وَإِحْسَانِهِ وَنِعْمَتِهِ مَا لَا يَحْصُلُ فِي غَيْرِهِ. فَإِنْ قِيلَ: الْخَمْرُ قَبْلَ التَّحْرِيمِ وَبَعْدَهُ سَوَاءٌ فَتَخْصِيصُهَا بِالْخُبْثِ بَعْدَ التَّحْرِيمِ تَرْجِيحٌ بِلَا مُرَجِّحٍ؟ . قِيلَ: لَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ إنَّمَا حَرَّمَهَا فِي الْوَقْتِ الَّذِي كَانَتْ الْحِكْمَةُ تَقْتَضِي تَحْرِيمَهَا. وَلَيْسَ مَعْنَى كَوْنِ الشَّيْءِ حَسَنًا وَسَيِّئًا مِثْلَ كَوْنِهِ أَسْوَدَ وَأَبْيَضَ بَلْ هُوَ مِنْ جِنْسِ كَوْنِهِ نَافِعًا وَضَارًّا وَمُلَائِمًا وَمُنَافِرًا وَصِدِّيقًا وَعَدُوًّا وَنَحْوَ هَذَا مِنْ الصِّفَاتِ الْقَائِمَةِ بِالْمَوْصُوفِ الَّتِي تَتَغَيَّرُ بِتَغَيُّرِ الْأَحْوَالِ: فَقَدْ يَكُونُ الشَّيْءُ نَافِعًا فِي وَقْتٍ ضَارًّا فِي وَقْتٍ وَالشَّيْءُ الضَّارُّ قَدْ يُتْرَكُ تَحْرِيمُهُ إذَا كَانَتْ مَفْسَدَةُ التَّحْرِيمِ أَرْجَحَ كَمَا لَوْ حُرِّمَتْ الْخَمْرُ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ؛ فَإِنَّ النُّفُوسَ كَانَتْ قَدْ اعْتَادَتْهَا عَادَةً شَدِيدَةً وَلَمْ يَكُنْ حَصَلَ عِنْدَهُمْ مِنْ قُوَّةِ الْإِيمَانِ مَا يَقْبَلُونَ ذَلِكَ التَّحْرِيمَ وَلَا كَانَ إيمَانُهُمْ وَدِينُهُمْ تَامًّا حَتَّى لَمْ يَبْقَ فِيهِ نَقْصٌ إلَّا مَا يَحْصُلُ بِشُرْبِ الْخَمْرِ مِنْ صَدِّهَا عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلَاةِ فَلِهَذَا وَقَعَ التَّدْرِيجُ فِي تَحْرِيمِهَا. فَأَنْزَلَ اللَّهُ أَوَّلًا فِيهَا: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا} ثُمَّ أَنْزَلَ فِيهَا - لَمَّا شَرِبَهَا طَائِفَةٌ وَصَلَّوْا فَغَلِطَ الْإِمَامُ فِي الْقِرَاءَةِ - آيَةُ النَّهْيِ عَنْ الصَّلَاةِ سُكَارَى: ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ آيَةَ التَّحْرِيمِ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute