الثَّانِيَةُ لَا يَخْلُقُهُمْ فِيهَا بِمِثْلِ هَذِهِ الِاسْتِحَالَةِ بَلْ يُعِيدُ الْأَجْسَادَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُلَهُمْ مِنْ نُطْفَةٍ إلَى عَلَقَةٍ إلَى مُضْغَةٍ وَمِنْ غَيْرِ أَنْ يَغْذُوَهَا بِدَمِ الطَّمْثِ وَمِنْ غَيْرِ أَنْ يَغْذُوَهَا بِلَبَنِ الْأُمِّ وَبِسَائِرِ مَا يَأْكُلُهُ مِنْ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ فَمَنْ ظَنَّ أَنَّ الْإِعَادَةَ تَحْتَاجُ إلَى إعَادَةِ الْأَغْذِيَةِ الَّتِي اسْتَحَالَتْ إلَى أَبْدَانِهِمْ فَقَدْ غَلِطَ. وَحِينَئِذٍ فَإِذَا أَكَلَ إنْسَانٌ إنْسَانًا فَإِنَّمَا صَارَ غِذَاءً لَهُ كَسَائِرِ الْأَغْذِيَةِ وَهُوَ لَا يَحْتَاجُ إلَى إعَادَةِ الْأَغْذِيَةِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْغِذَاءَ يَنْزِلُ إلَى الْمَعِدَةِ طَعَامًا وَشَرَابًا ثُمَّ يَصِيرُ كلوسا كالثردة ثُمَّ كيموسا كَالْحَرِيرَةِ ثُمَّ يَنْطَبِخُ دَمًا فَيَقْسِمُهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْبَدَنِ كُلِّهِ وَيَأْخُذُ كُلُّ جُزْءٍ مِنْ الْبَدَنِ نَصِيبَهُ فَيَسْتَحِيلُ الدَّمُ إلَى شَبِيهِ ذَلِكَ الْجُزْءِ الْعَظْمِ عَظْمًا وَاللَّحْمُ لَحْمًا وَالْعَرَقُ عَرَقًا وَهَذَا فِي الرِّزْقِ كَاسْتِحَالَتِهِمْ فِي مَبْدَأِ الْخَلْقِ نُطْفَةً ثُمَّ عَلَقَةً ثُمَّ مُضْغَةً. وَكَمَا أَنَّهُ سُبْحَانَهُ لَا يَحْتَاجُ فِي الْإِعَادَةِ إلَى أَنْ يُحِيلَ أَحَدَهُمْ نُطْفَةً ثُمَّ عَلَقَةً ثُمَّ مُضْغَةً فَكَذَلِكَ أَغْذِيَتُهُمْ لَا يَحْتَاجُ أَنْ يَجْعَلَهَا خُبْزًا وَفَاكِهَةً وَلَحْمًا ثُمَّ يَجْعَلُهَا كلوسا وكيموسا ثُمَّ دَمًا ثُمَّ عَظْمًا وَلَحْمًا وَعُرُوقًا بَلْ يُعِيدُ هَذَا الْبَدَنَ عَلَى صِفَةٍ أُخْرَى لِنَشْأَةٍ ثَانِيَةٍ لَيْسَتْ مِثْلَ هَذِهِ النَّشْأَةِ كَمَا قَالَ: {وَنُنْشِئَكُمْ فِي مَا لَا تَعْلَمُونَ} وَلَا يَحْتَاجُ مَعَ ذَلِكَ إلَى شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الِاسْتِحَالَاتِ الَّتِي كَانَتْ فِي النَّشْأَةِ الْأُولَى.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute