للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَبِهَذَا يَظْهَرُ الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِ الْبَدَنُ دَائِمًا فِي التَّحَلُّلِ فَإِنَّ تَحَلُّلَ الْبَدَنِ لَيْسَ بِأَعْجَبَ مِنْ انْقِلَابِ النُّطْفَةِ عَلَقَةً وَالْعَلَقَةِ مُضْغَةً وَحَقِيقَةُ كُلٍّ مِنْهُمَا خِلَافُ حَقِيقَةِ الْأُخْرَى. وَأَمَّا الْبَدَنُ الْمُتَحَلِّلُ فَالْأَجْزَاءُ الثَّانِيَةُ تُشَابِهُ الْأُولَى وَتُمَاثِلُهَا وَإِذَا كَانَ فِي الْإِعَادَةِ لَا يَحْتَاجُ إلَى انْقِلَابِهِ مِنْ حَقِيقَةٍ إلَى حَقِيقَةٍ فَكَيْفَ بِانْقِلَابِهِ بِسَبَبِ التَّحَلُّلِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ مَنْ رَأَى شَخْصًا وَهُوَ شَابٌّ ثُمَّ رَآهُ وَهُوَ شَيْخٌ عَلِمَ أَنَّ هَذَا هُوَ ذَاكَ مَعَ هَذِهِ الِاسْتِحَالَةِ وَكَذَلِكَ سَائِرُ الْحَيَوَانِ وَالنَّبَاتِ كَمَنْ غَابَ عَنْ شَجَرَةٍ مُدَّةً ثُمَّ جَاءَ فَوَجَدَهَا عَلِمَ أَنَّ هَذِهِ هِيَ الْأُولَى مَعَ أَنَّ التَّحَلُّلَ وَالِاسْتِحَالَةَ ثَابِتٌ فِي سَائِرِ الْحَيَوَانِ وَالنَّبَاتِ. كَمَا هُوَ فِي بَدَنِ الْإِنْسَانِ وَلَا يَحْتَاجُ عَاقِلٌ فِي اعْتِقَادِهِ أَنَّ هَذِهِ الشَّجَرَةَ هِيَ الْأُولَى وَأَنَّ هَذِهِ الْفَرَسَ هِيَ الَّتِي كَانَتْ عِنْدَهُ مِنْ سِنِينَ وَلَا أَنَّ هَذَا الْإِنْسَانَ هُوَ الَّذِي رَآهُ مِنْ عِشْرِينَ سُنَّةً إلَى أَنْ يُقَدِّرَ بَقَاءَ أَجْزَاءٍ أَصْلِيَّةٍ لَمْ تَتَحَلَّلْ وَلَا يَخْطِرُ هَذَا بِبَالِ أَحَدٍ وَلَا يَقْتَصِرْ الْعُقَلَاءُ فِي قَوْلِهِمْ هَذَا هُوَ ذَاكَ عَلَى تِلْكَ الْأَجْزَاءِ الَّتِي لَا تُعْرَفُ وَلَا تَتَمَيَّزُ عَنْ غَيْرِهَا. بَلْ إنَّمَا يُشِيرُونَ إلَى جُمْلَةِ الشَّجَرَةِ وَالْفَرَسِ وَالْإِنْسَانُ مَعَ أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ كَانَ صَغِيرًا فَكَبِرَ. وَلَا يُقَالُ إنَّمَا كَانَ هُوَ ذَاكَ بِاعْتِبَارِ أَنَّ النَّفْسَ النَّاطِقَةَ وَاحِدَةٌ كَمَا زَعَمَهُ مَنْ ادَّعَى أَنَّ الْبَدَنَ الثَّانِيَ لَيْسَ هُوَ ذَاكَ الْأَوَّلَ وَلَكِنَّ الْمَقْصُودَ جَزَاءُ النَّفْسِ بِنَعِيمٍ أَوْ عَذَابٍ