وَكَذَلِكَ النَّارُ الْحَاصِلَةُ فِي ذُبَالَةِ الْمِصْبَاحِ إذَا وُضِعَتْ فِي النَّارِ أَوْ وُضِعَ فِيهَا حَطَبٌ فَإِنَّ النَّارَ تُحِيلُ أَوَّلًا الْمَادَّةَ الَّتِي هِيَ الدُّهْنُ أَوْ الْحَطَبُ فَيَسْخَنُ الْهَوَاءُ الْمُحِيطُ بِهَا فَيَنْقَلِبُ نَارًا وَإِنَّمَا يَنْقَلِبُ بَعْدَ نَقْصِ الْمَادَّةِ وَكَذَلِكَ الرِّيحُ الَّتِي تُحَرِّكُ النَّارَ مِثْلَ مَا تَهُبُّ الرِّيحُ فَتَشْتَعِلُ النَّارُ فِي الْحَطَبِ وَمِثْلُ مَا يَنْفُخُ فِي الْكِيرِ وَغَيْرِهِ تَبْقَى الرِّيحُ الْمَنْفُوخَةُ تُضْرِمُ النَّارَ لِمَا فِي مَحَلِّ النَّارِ كَالْخَشَبِ وَالْفَحْمِ مِنْ الِاسْتِعْدَادِ لِانْقِلَابِهِ نَارًا وَمَا فِي حَرَكَةِ الرِّيحِ الْقَوِيَّةِ مِنْ تَحْرِيكِ النَّارِ إلَى الْمَحَلِّ الْقَابِلِ لَهُ وَقَدْ يَنْقَلِبُ أَيْضًا الْهَوَاءُ الْقَرِيبُ مِنْ النَّارِ؛ فَإِنَّ اللَّهَبَ هُوَ الْهَوَاءُ انْقَلَبَ نَارًا مِثْلَ مَا فِي ذُبَالَةِ الْمِصْبَاحِ وَلِهَذَا إذَا طفئت صَارَ دُخَانًا وَهُوَ هَوَاءٌ مُخْتَلِطٌ بِنَارٍ كَالْبُخَارِ وَهُوَ هَوَاءٌ مُخْتَلِطٌ بِمَاءِ وَالْغُبَارُ هَوَاءٌ مُخْتَلِطٌ بِتُرَابِ.
وَقَدْ يُسَمَّى الْبُخَارُ دُخَانًا وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {ثُمَّ اسْتَوَى إلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ} قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: بُخَارُ الْمَاءِ كَمَا جَاءَتْ الْآثَارُ: {إنَّ اللَّهَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ مِنْ بُخَارِ الْمَاءِ} وَهُوَ الدُّخَانُ. فَإِنَّ الدُّخَانَ الْهَوَاءُ الْمُخْتَلِطُ بِشَيْءٍ حَارٍّ ثُمَّ قَدْ لَا يَكُونُ فِيهِ مَاءٌ وَهُوَ الدُّخَانُ الصِّرْفُ وَقَدْ يَكُونُ فِيهِ مَاءٌ فَهُوَ دُخَانٌ وَهُوَ بُخَارٌ كَبُخَارِ الْقِدْرِ. وَقَدْ يُسَمَّى الدُّخَانُ بُخَارًا. فَيُقَالُ لِمَنْ اسْتَجْمَرَ بِالطِّيبِ تَبَخَّرَ وَإِنْ كَانَ لَا رُطُوبَةَ هُنَا بَلْ دُخَانٌ الطِّيبِ سُمِّيَ بُخَارًا. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: بُخَارُ الْمَاءِ مَا يَرْتَفِعُ مِنْهُ كَالدُّخَانِ وَالْبَخُورِ بِالْفَتْحِ مَا يتبخر بِهِ؛ لَكِنْ إنَّمَا يَصِيرُ الْهَوَاءُ نَارًا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute