بِالْبَاطِلِ كَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ: {الْحَلَالُ بَيِّنٌ وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ. وَبَيْنَ ذَلِكَ أُمُورٌ مُتَشَابِهَاتٌ لَا يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ} فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ مِنْ النَّاسِ مَنْ يَعْرِفُهَا فَلَيْسَتْ مُشْتَبِهَةً عَلَى جَمِيعِ النَّاسِ بَلْ عَلَى بَعْضِهِمْ بِخِلَافِ مَا لَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إلَّا اللَّهُ فَإِنَّ النَّاسَ كُلَّهُمْ مُشْتَرِكُونَ فِي عَدَمِ الْعِلْمِ بِتَأْوِيلِهِ وَمِنْ هَذَا مَا {يُرْوَى عَنْ الْمَسِيحِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّهُ قَالَ: الْأُمُورُ ثَلَاثَةٌ: أَمْرٌ تَبَيَّنَ رُشْدُهُ فَاتَّبِعُوهُ وَأَمْرٌ تَبَيَّنَ غَيُّهُ فَاجْتَنِبُوهُ وَأَمْرٌ اشْتَبَهَ عَلَيْكُمْ فَكِلُوهُ إلَى عَالَمِهِ} . فَهَذَا الْمُشْتَبِهُ عَلَى بَعْضِ النَّاسِ يُمْكِنُ الْآخَرِينَ أَنْ يَعْرِفُوا الْحَقَّ فِيهِ وَيُبَيِّنُوا الْفَرْقَ بَيْنَ الْمُشْتَبِهَيْنِ وَهَذَا هُوَ الَّذِي أَرَادَهُ مَنْ جَعَلَ الرَّاسِخِينَ يَعْلَمُونَ التَّأْوِيلَ فَإِنَّهُ جَعَلَ الْمُشْتَبِهَاتِ فِي الْقُرْآنِ مِنْ هَذَا الْبَابِ الَّذِي يَشْتَبِهُ عَلَى بَعْضِ النَّاسِ دُونَ بَعْضٍ وَيَكُونُ بَيْنَهُمَا مِنْ الْفُرُوقِ الْمَانِعَةِ لِلتَّشَابُهِ مَا يَعْرِفُهُ بَعْضُ النَّاسِ وَهَذَا الْمَعْنَى صَحِيحٌ فِي نَفْسِهِ لَا يُنْكَرُ وَلَا رَيْبَ أَنَّ الرَّاسِخِينَ فِي الْعِلْمِ يَعْلَمُونَ مَا اشْتَبَهَ عَلَى غَيْرِهِمْ وَقَدْ يَكُونُ هَذَا قِرَاءَةً فِي الْآيَةِ كَمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُ يَكُونُ فِيهَا قِرَاءَتَانِ؛ لَكِنَّ لَفْظَ التَّأْوِيلِ عَلَى هَذَا يُرَادُ بِهِ التَّفْسِيرُ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُمْ يَعْلَمُونَ تَأْوِيلَهُ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةِ كَمَا يَعْلَمُونَ تَأْوِيلَ الْمُحْكَمِ فَيَعْرِفُونَ الْحِسَابَ وَالْمِيزَانَ وَالصِّرَاطَ وَالثَّوَابَ وَالْعِقَابَ وَغَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا أَخْبَرَ اللَّهُ بِهِ وَرَسُولُهُ مَعْرِفَةً مُجْمَلَةً فَيَكُونُونَ عَالِمِينَ بِالتَّأْوِيلِ وَهُوَ مَا يَقَعُ فِي الْخَارِجِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute