وَلَا يَعْلَمُونَهُ مُفَصَّلًا إذْ هُمْ لَا يَعْرِفُونَ كَيْفِيَّتَهُ وَحَقِيقَتَهُ إذْ ذَلِكَ لَيْسَ مِثْلَ الَّذِي عَلِمُوهُ فِي الدُّنْيَا وَشَاهَدُوهُ وَعَلَى هَذَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ عَلِمُوا تَأْوِيلَهُ وَهُوَ مَعْرِفَةُ تَفْسِيرِهِ وَيَصِحُّ أَنْ يُقَالَ لَمْ يَعْلَمُوا تَأْوِيلَهُ وَكِلَا الْقِرَاءَتَيْنِ حَقٌّ.
وَعَلَى قِرَاءَةِ النَّفْيِ هَلْ يُقَالُ أَيْضًا: إنَّ الْمُحْكَمَ لَهُ تَأْوِيلٌ لَا يَعْلَمُونَ تَفْصِيلَهُ؟ فَإِنَّ قَوْلَهُ: وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ إلَّا اللَّهُ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ غَيْرَهُ يَعْلَمُ تَأْوِيلَ الْمُحْكَمِ بَلْ قَدْ يُقَالُ: إنَّ مِنْ الْمُحْكَمِ أَيْضًا مَا لَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إلَّا اللَّهُ وَإِنَّمَا خَصَّ الْمُتَشَابِهَ بِالذِّكْرِ لِأَنَّ أُولَئِكَ طَلَبُوا عِلْمَ تَأْوِيلِهِ أَوْ يُقَالُ بَلْ الْمُحْكَمُ يَعْلَمُونَ تَأْوِيلَهُ لَكِنْ لَا يَعْلَمُونَ وَقْتَ تَأْوِيلِهِ وَمَكَانَهُ وَصِفَتَهُ. وَقَدْ قَالَ كَثِيرٌ مِنْ السَّلَفِ: إنَّ الْمُحْكَمَ مَا يُعْمَلُ بِهِ وَالْمُتَشَابِهَ مَا يُؤْمَنُ بِهِ وَلَا يُعْمَلُ بِهِ كَمَا يَجِيءُ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْآثَارِ وَنَعْمَلُ بِمُحْكَمِهِ، وَنُؤْمِنُ بِمُتَشَابِهِهِ وَكَمَا جَاءَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَغَيْرِهِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ} قَالَ يُحَلِّلُونَ حَلَالَهُ وَيُحَرِّمُونَ حَرَامَهُ وَيَعْمَلُونَ بِمُحْكَمِهِ وَيُؤْمِنُونَ بِمُتَشَابِهِهِ. وَكَلَامُ السَّلَفِ فِي ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ التَّشَابُهَ أَمْرٌ إضَافِيٌّ فَقَدْ يَشْتَبِهُ عَلَى هَذَا مَا لَا يَشْتَبِهُ عَلَى هَذَا فَعَلَى كُلِّ أَحَدٍ أَنْ يَعْمَلَ بِمَا اسْتَبَانَ لَهُ وَيَكِلَ مَا اشْتَبَهَ عَلَيْهِ إلَى اللَّهِ. كَقَوْلِ أبي بْنِ كَعْبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute