للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ذَلِكَ مِنْ النُّصُوصِ الْمُبَيِّنَةِ أَنَّهُ أَفْضَلُ الْخَلْقِ وَأَكْرَمُهُمْ عَلَى رَبِّهِ وَإِبْرَاهِيمُ هُوَ الْإِمَامُ الَّذِي قَالَ اللَّهُ فِيهِ: {إنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إمَامًا} وَهُوَ الْأُمَّةُ أَيْ الْقُدْوَةُ الَّذِي قَالَ اللَّهُ فِيهِ: {إنَّ إبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا} وَهُوَ الَّذِي بَوَّأَهُ اللَّهُ مَكَانَ الْبَيْتِ وَأَمَرَهُ أَنْ يُؤَذِّنَ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ إلَيْهِ وَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ الْحَرَمَ عَلَى لِسَانِهِ وَإِسْمَاعِيلُ نَبَّأَهُ مَعَهُ وَهُوَ الذَّبِيحُ الَّذِي بَذَلَ نَفْسَهُ لِلَّهِ وَصَبَرَ عَلَى الْمِحْنَةِ كَمَا بَيَّنَّا ذَلِكَ بِالدَّلَائِلِ الْكَثِيرَةِ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ وَأُمُّهُ هَاجَرُ هِيَ الَّتِي أَطَاعَتْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إبْرَاهِيمَ فِي مُقَامِهَا مَعَ ابْنِهَا فِي ذَلِكَ الْوَادِي الَّذِي لَمْ يَكُنْ بِهِ أَنِيسٌ كَمَا قَالَ الْخَلِيلُ: {رَبَّنَا إنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ} . وَكَانَ لِإِبْرَاهِيمَ وَلِآلِ إبْرَاهِيمَ مِنْ مَحَبَّةِ اللَّهِ وَعِبَادَتِهِ وَالْإِيمَانِ بِهِ وَطَاعَتِهِ مَا لَمْ يَكُنْ لِغَيْرِهِمْ فَخَصَّهُمْ اللَّهُ بِأَنْ جَعَلَ لِبَيْتِهِ الَّذِي بَنَوْهُ لَهُ خَصَائِصَ لَا تُوجَدُ لِغَيْرِهِ وَجَعَلَ مَا جَعَلَهُ مِنْ أَفْعَالِهِمْ قُدْوَةً لِلنَّاسِ وَعِبَادَةً يَتَّبِعُونَهُمْ فِيهَا وَلَا رَيْبَ أَنَّ اللَّهَ شَرَعَ لِإِبْرَاهِيمَ السَّعْيَ وَرَمْيَ الْجِمَارِ وَالْوُقُوفَ بِعَرَفَاتِ بَعْدَ مَا كَانَ مِنْ أَمْرِ هَاجَرَ وَإِسْمَاعِيلَ وَقِصَّةِ الذَّبْحِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مَا كَانَ كَمَا شَرَعَ لِمُحَمَّدِ الرَّمَلَ فِي الطَّوَافِ حَيْثُ أَمَرَهُ أَنْ يُنَادِيَ فِي النَّاسِ بِحَجِّ الْبَيْتِ وَالْحَجُّ مَبْنَاهُ عَلَى الذُّلِّ وَالْخُضُوعِ لِلَّهِ وَلِهَذَا خُصَّ بِاسْمِ النُّسُكِ و " النُّسُكُ " فِي اللُّغَةِ الْعِبَادَةُ.