قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: النُّسُكُ الْعِبَادَةُ وَالنَّاسِكُ الْعَابِدُ وَقَدْ نَسَكَ وَتَنَسَّكَ أَيْ تَعَبَّدَ وَنَسُكَ بِالضَّمِّ أَيْ صَارَ نَاسِكًا ثُمَّ خُصَّ الْحَجُّ بِاسْمِ النُّسُكِ لِأَنَّهُ أَدْخَلُ فِي الْعِبَادَةِ وَالذُّلِّ لِلَّهِ مِنْ غَيْرِهِ وَلِهَذَا كَانَ فِيهِ مِنْ الْأَفْعَالِ مَا لَا يُقْصَدُ فِيهِ إلَّا مُجَرَّدُ الذُّلِّ لِلَّهِ وَالْعِبَادَةِ لَهُ كَالسَّعْيِ وَرَمْيِ الْجِمَارِ. قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {إنَّمَا جُعِلَ رَمْيُ الْجِمَارِ وَالسَّعْيُ بَيْنَ الصَّفَا والمروة لِإِقَامَةِ ذِكْرِ اللَّهِ} رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَخَصَّ بِذَلِكَ الذَّبْحِ الْفِدَاءَ أَيْضًا دُونَ مُطْلَقِ الذَّبْحِ؛ لِأَنَّ إرَاقَةَ الدَّمِ لِلَّهِ أَبْلَغُ فِي الْخُضُوعِ وَالْعِبَادَةِ لَهُ وَلِهَذَا كَانَ مَنْ كَانَ قَبْلَنَا لَا يَأْكُلُونَ الْقُرْبَانَ؛ بَلْ تَأْتِي نَارٌ مِنْ السَّمَاءِ فَتَأْكُلُهُ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: {الَّذِينَ قَالُوا إنَّ اللَّهَ عَهِدَ إلَيْنَا أَلَّا نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّى يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ قُلْ قَدْ جَاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} . وَكَذَلِكَ كَانُوا إذَا غَنِمُوا غَنِيمَةً جَمَعُوهَا ثُمَّ جَاءَتْ النَّارُ فَأَكَلَتْهَا لِيَكُونَ قِتَالُهُمْ مَحْضًا لِلَّهِ لَا لِلْمَغْنَمِ وَيَكُونَ ذَبْحُهُمْ عِبَادَةً مَحْضَةً لِلَّهِ لَا لِأَجْلِ أَكْلِهِمْ وَأُمَّةُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَّعَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ لِكَمَالِ يَقِينِهِمْ وَإِخْلَاصِهِمْ وَأَنَّهُمْ يُقَاتِلُونَ لِلَّهِ وَلَوْ أَكَلُوا الْمَغْنَمَ وَيَذْبَحُونَ لِلَّهِ وَلَوْ أَكَلُوا الْقُرْبَانَ وَلِهَذَا كَانَ عُبَّادُ الشَّيَاطِينِ وَالْأَصْنَامِ يَذْبَحُونَ لَهَا الذَّبَائِحَ أَيْضًا فَالذَّبْحُ لِلْمَعْبُودِ غَايَةُ الذُّلِّ وَالْخُضُوعِ لَهُ. وَلِهَذَا لَمْ يَجُزْ الذَّبْحُ لِغَيْرِ اللَّهِ وَلَا أَنْ يُسَمَّى غَيْرُ اللَّهِ عَلَى الذَّبَائِحِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute