فَكَانَ فِي نَفْيِ الْإِدْرَاكِ مِنْ إثْبَاتِ عَظَمَتِهِ مَا يَكُونُ مَدْحًا وَصِفَةَ كَمَالٍ وَكَانَ ذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى إثْبَاتِ الرُّؤْيَةِ لَا عَلَى نَفْيِهَا لَكِنَّهُ دَلِيلٌ عَلَى إثْبَاتِ الرُّؤْيَةِ مَعَ عَدَمِ الْإِحَاطَةِ وَهَذَا هُوَ الْحَقُّ الَّذِي اتَّفَقَ عَلَيْهِ سَلَفُ الْأُمَّةِ وَأَئِمَّتُهَا وَإِذَا تَأَمَّلْت ذَلِكَ: وَجَدْت كُلَّ نَفْيٍ لَا يَسْتَلْزِمُ ثُبُوتًا هُوَ مِمَّا لَمْ يَصِفْ اللَّهُ بِهِ نَفْسَهُ فَاَلَّذِينَ لَا يَصِفُونَهُ إلَّا بِالسُّلُوبِ: لَمْ يُثْبِتُوا فِي الْحَقِيقَةِ إلَهًا مَحْمُودًا بَلْ وَلَا مَوْجُودًا وَكَذَلِكَ مَنْ شَارَكَهُمْ فِي بَعْضِ ذَلِكَ كَاَلَّذِينَ قَالُوا لَا يَتَكَلَّمُ أَوْ لَا يَرَى أَوْ لَيْسَ فَوْقَ الْعَالَمِ أَوْ لَمْ يَسْتَوِ عَلَى الْعَرْشِ وَيَقُولُونَ: لَيْسَ بِدَاخِلِ الْعَالَمِ وَلَا خَارِجَهُ وَلَا مُبَايِنًا لِلْعَالَمِ وَلَا محايثا لَهُ؛ إذْ هَذِهِ الصِّفَاتُ يُمْكِنُ أَنْ يُوصَفَ بِهَا الْمَعْدُومُ؛ وَلَيْسَتْ هِيَ صِفَةً مُسْتَلْزِمَةً صِفَةَ ثُبُوتٍ وَلِهَذَا " قَالَ مَحْمُودُ بْنُ سبكتكين " لِمَنْ ادَّعَى ذَلِكَ فِي الْخَالِقِ: مَيِّزْ لَنَا بَيْنَ هَذَا الرَّبِّ الَّذِي تُثْبِتُهُ وَبَيْنَ الْمَعْدُومِ. وَكَذَلِكَ كَوْنُهُ لَا يَتَكَلَّمُ أَوْ لَا يَنْزِلُ لَيْسَ فِي ذَلِكَ صِفَةُ مَدْحٍ وَلَا كَمَالٍ؛ بَلْ هَذِهِ الصِّفَاتُ فِيهَا تَشْبِيهٌ لَهُ بِالْمَنْقُوصَاتِ أَوْ الْمَعْدُومَاتِ فَهَذِهِ الصِّفَاتُ: مِنْهَا مَا لَا يَتَّصِفُ بِهِ إلَّا الْمَعْدُومُ وَمِنْهَا مَا لَا يَتَّصِفُ بِهِ إلَّا الْجَمَادَاتُ وَالنَّاقِصُ فَمَنْ قَالَ: لَا هُوَ مُبَايِنٌ لِلْعَالَمِ وَلَا مُدَاخِلٌ لِلْعَالَمِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ قَالَ: لَا هُوَ قَائِمٌ بِنَفْسِهِ وَلَا بِغَيْرِهِ وَلَا قَدِيمٌ وَلَا مُحْدَثٌ وَلَا مُتَقَدِّمٌ عَلَى الْعَالَمِ وَلَا مُقَارِنٌ لَهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute