للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَأَمَّا قَوْلُهُ {قُلُوبُ الْعِبَادِ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ} فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي ظَاهِرِهِ أَنَّ الْقَلْبَ مُتَّصِلٌ بِالْأَصَابِعِ وَلَا مُمَاسٌّ لَهَا وَلَا أَنَّهَا فِي جَوْفِهِ وَلَا فِي قَوْلِ الْقَائِلِ هَذَا بَيْنَ يَدَيَّ مَا يَقْتَضِي مُبَاشَرَتَهُ لِيَدَيْهِ وَإِذَا قِيلَ: السَّحَابُ الْمُسَخَّرُ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَمْ يَقْتَضِ أَنْ يَكُونَ مُمَاسًّا لِلسَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَنَظَائِرُ هَذَا كَثِيرَةٌ وَمِمَّا يُشْبِهُ هَذَا الْقَوْلَ أَنْ يُجْعَلَ اللَّفْظُ نَظِيرًا لِمَا لَيْسَ مِثْلَهُ كَمَا قِيلَ فِي قَوْلِهِ {مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} ؟ فَقِيلَ هُوَ مِثْلُ قَوْلِهِ: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا} ؟ فَهَذَا لَيْسَ مِثْلَ هَذَا؛ لِأَنَّهُ هُنَا أَضَافَ الْفِعْلَ إلَى الْأَيْدِي؛ فَصَارَ شَبِيهًا بِقَوْلِهِ: {فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ} وَهُنَا أَضَافَ الْفِعْلَ إلَيْهِ فَقَالَ: {لِمَا خَلَقْتُ} ثُمَّ قَالَ: {بِيَدَيَّ} وَأَيْضًا: فَإِنَّهُ هُنَا ذَكَرَ نَفْسَهُ الْمُقَدَّسَةَ بِصِيغَةِ الْمُفْرَدِ وَفِي الْيَدَيْنِ ذَكَرَ لَفْظَ التَّثْنِيَةِ كَمَا فِي قَوْلِهِ: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} وَهُنَاكَ أَضَافَ الْأَيْدِيَ إلَى صِيغَةِ الْجَمْعِ فَصَارَ كَقَوْلِهِ: {تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا} . وَهَذَا فِي (الْجَمْعِ نَظِيرُ قَوْلِهِ: {بِيَدِهِ الْمُلْكُ} وَبِيَدِهِ الْخَيْرُ فِي (الْمُفْرَدِ فَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَذْكُرُ نَفْسَهُ تَارَةً بِصِيغَةِ الْمُفْرَدِ مُظْهَرًا أَوْ مُضْمَرًا وَتَارَةً بِصِيغَةِ الْجَمْعِ كَقَوْلِهِ: {إنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا} وَأَمْثَالُ ذَلِكَ. وَلَا يَذْكُرُ نَفْسَهُ بِصِيغَةِ التَّثْنِيَةِ قَطُّ؛ لِأَنَّ صِيغَةَ الْجَمْعِ تَقْتَضِي التَّعْظِيمَ الَّذِي يَسْتَحِقُّهُ؛ وَرُبَّمَا تَدُلُّ عَلَى مَعَانِي أَسْمَائِهِ