وَأَمَّا صِيغَةُ التَّثْنِيَةِ فَتَدُلُّ عَلَى الْعَدَدِ الْمَحْصُورِ وَهُوَ مُقَدَّسٌ عَنْ ذَلِكَ فَلَوْ قَالَ: {مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} لَمَا كَانَ كَقَوْلِهِ: {مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا} وَهُوَ نَظِيرُ قَوْلِهِ: {بِيَدِهِ الْمُلْكُ} وَبِيَدِهِ الْخَيْرُ وَلَوْ قَالَ خَلَقْت بِصِيغَةِ الْإِفْرَادِ لَكَانَ مُفَارِقًا لَهُ؛ فَكَيْفَ إذَا قَالَ خَلَقْت بِيَدَيَّ؟ بِصِيغَةِ التَّثْنِيَةِ هَذَا مَعَ دَلَالَاتِ الْأَحَادِيثِ الْمُسْتَفِيضَةِ بَلْ الْمُتَوَاتِرَةِ وَإِجْمَاعِ السَّلَفِ عَلَى مِثْلِ مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ كَمَا هُوَ مَبْسُوطٌ فِي مَوْضِعِهِ مِثْلُ قَوْلِهِ: {الْمُقْسِطُونَ عِنْدَ اللَّهِ عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ عَنْ يَمِينِ الرَّحْمَنِ وَكِلْتَا يَدَيْهِ يَمِينٌ: الَّذِينَ يَعْدِلُونَ فِي حُكْمِهِمْ وَأَهْلِيهِمْ وَمَا وُلُّوا} وَأَمْثَالُ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ الْقَائِلُ يَعْتَقِدُ أَنَّ ظَاهِرَ النُّصُوصِ الْمُتَنَازَعِ فِي مَعْنَاهَا مِنْ جِنْسِ ظَاهِرِ النُّصُوصِ الْمُتَّفَقِ عَلَى مَعْنَاهَا - وَالظَّاهِرُ هُوَ الْمُرَادُ فِي الْجَمِيعِ - فَإِنَّ اللَّهَ لَمَّا أَخْبَرَ أَنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَاتَّفَقَ أَهْلُ السُّنَّةِ وَأَئِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَنَّ هَذَا عَلَى ظَاهِرِهِ وَأَنَّ ظَاهِرَ ذَلِكَ مُرَادٌ: كَانَ مِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّهُمْ لَمْ يُرِيدُوا بِهَذَا الظَّاهِرِ أَنْ يَكُونَ عِلْمُهُ كَعِلْمِنَا وَقُدْرَتُهُ كَقُدْرَتِنَا وَكَذَلِكَ لَمَّا اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ حَيٌّ حَقِيقَةً عَالِمٌ حَقِيقَةً قَادِرٌ حَقِيقَةً؛ لَمْ يَكُنْ مُرَادُهُمْ أَنَّهُ مِثْلُ الْمَخْلُوقِ الَّذِي هُوَ حَيٌّ عَلِيمٌ قَدِيرٌ؛ فَكَذَلِكَ إذَا قَالُوا فِي قَوْله تَعَالَى {يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} {رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} وَقَوْلِهِ: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} أَنَّهُ عَلَى ظَاهِرِهِ لَمْ يَقْتَضِ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ ظَاهِرُهُ اسْتِوَاءً كَاسْتِوَاءِ الْمَخْلُوقِ وَلَا حُبًّا كَحُبِّهِ وَلَا رِضًا كَرِضَاهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute