قَوْلَهُ لَمْ يَصِحَّ أَنْ يُحْكَى عَنْ عَاقِلٍ أَنَّهُ أَنْكَرَ الْعُلُومَ جَمِيعَهَا إلَّا عَلَى سَبِيلِ الْعِنَادِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْعِنَادَ لَا يَكُونُ إلَّا لِغَرَضِ وَلَيْسَ لِأَحَدِ غَرَضٌ أَنْ يُعَانِدَ فِي كُلِّ شَيْءٍ وَيَجْحَدَهُ عَلَى سَبِيلِ الدَّوَامِ. وَمِنْ النَّاسِ بِإِزَاءِ هَؤُلَاءِ مَنْ قَدْ يَتَوَهَّمُ أَنَّهُ لَا تَأْثِيرَ لِلْعَقَائِدِ فِي الْمُعْتَقَدَاتِ وَلَا تَخْتَلِفُ الْأَحْكَامُ بِاخْتِلَافِ الْعَقَائِدِ بَلْ يَتَخَيَّلُ أَنَّهُ إذَا اعْتَقَدَ وُجُوبَ فِعْلٍ أَوْ تَحْرِيمَهُ كَانَ مَنْ خَرَجَ عَنْ اعْتِقَادِهِ مُبْطِلًا مُرْتَكِبًا لِلْمُحَرَّمِ أَوْ تَارِكًا لِلْوَاجِبِ وَأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ مِنْ الذَّمِّ وَالْعِقَابِ مَا يَسْتَحِقُّهُ جِنْسُ مَنْ تَرَكَ الْوَاجِبَ أَوْ فَعَلَ الْمُحَرَّمَ وَإِذَا عُورِضَ بِأَنَّهُ مُتَأَوِّلٌ أَوْ مُجْتَهِدٌ لَمْ يُلْتَفَتْ إلَى هَذَا وَقَالَ هُوَ ضَالٌّ مُخْطِئٌ مُسْتَحِقٌّ لِلْعِقَابِ وَهَذَا أَيْضًا عَلَى إطْلَاقِهِ وَعُمُومِهِ لَا يَعْتَقِدُهُ صَحِيحُ الْعَقْلِ وَالدِّينِ مَا أَعْلَمُ قَائِلًا بِهِ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَالْعُمُومِ كَالطَّرَفِ الْأَوَّلِ وَإِنَّمَا أَعْلَمُ أَقْوَامًا وَطَوَائِفَ يُبْتَلَوْنَ بِبَعْضِ ذَلِكَ وَلَوَازِمِهِ فِي بَعْضِ الْأَشْيَاءِ فَإِنَّ مِنْ غَالِبِ مَنْ يَقُولُ بِعِصْمَةِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْأَئِمَّةِ الِاثْنَيْ عَشَرَ عَنْ الْخَطَأِ فِي الْأَقْوَالِ وَالْأَعْمَالِ مِنْ قَدِيرِي أَنَّهُ لَوْ أَخْطَأَ الْإِمَامُ فِي فِعْلٍ لَكَانَ ذَلِكَ عَيْبًا وَذَمًّا وَبَيْنَ هَذَيْنِ الطَّرَفَيْنِ الْمُتَبَاعِدَيْنِ أَطْرَافٌ أَيْضًا نَشَأَ عَنْهَا اخْتِلَافُ النَّاسِ فِي تَصْوِيبِ الْمُجْتَهِدِينَ وَتَخْطِئَتِهِمْ فِي الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ كَمَا سَنُنَبِّهُ عَلَيْهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute