للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

آثِمٌ مُخْطِئٌ كَالْعِلْمِيَّةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا دَلِيلٌ قَطْعِيٌّ فَلَيْسَ لِلَّهِ فِيهَا حُكْمٌ فِي الْبَاطِنِ وَحُكْمُ اللَّهِ فِي حَقِّ كُلِّ مُجْتَهِدٍ مَا أَدَّاهُ اجْتِهَادُهُ إلَيْهِ. وَهَؤُلَاءِ وَافَقُوا الْأَوَّلِينَ فِي أَنَّ الْخَطَأَ وَالْإِثْمَ مُتَلَازِمَانِ وَإِنَّ كُلَّ مُخْطِئٍ آثِمٌ؛ لَكِنْ خَالَفُوهُمْ فِي الْمَسَائِلِ الِاجْتِهَادِيَّةِ فَقَالُوا: لَيْسَ فِيهَا قَاطِعٌ وَالظَّنُّ لَيْسَ عَلَيْهِ دَلِيلٌ عِنْدَ هَؤُلَاءِ وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ جِنْسِ مَيْلِ النُّفُوسِ إلَى شَيْءٍ دُونَ شَيْءٍ فَجَعَلُوا الِاعْتِقَادَاتِ الظَّنِّيَّةَ مِنْ جِنْسِ الْإِرَادَاتِ وَادَّعَوْا أَنَّهُ لَيْسَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ حُكْمٌ مَطْلُوبٌ بِالِاجْتِهَادِ وَالْإِثْمُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ أَمَارَةٌ أَرْجَحُ مِنْ أَمَارَةٍ وَهَذَا الْقَوْلُ قَوْلُ أَبِي الهذيل الْعَلَّافِ وَمَنْ اتَّبَعَهُ كالجبائي وَابْنِهِ وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الْأَشْعَرِيِّ وَأَشْهُرُهُمَا وَهُوَ اخْتِيَارُ الْقَاضِي الْبَاقِلَانِي وَأَبِي حَامِدٍ الْغَزَالِيِّ وَأَبِي بَكْرٍ ابْنِ الْعَرَبِيِّ؛ وَمَنْ اتَّبَعَهُمْ. وَقَدْ بَسَطْنَا الْقَوْلَ فِي ذَلِكَ بَسْطًا كَثِيرًا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ. وَالْمُخَالِفُونَ لَهُمْ كَأَبِي إسْحَاقَ الإسفراييني وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَشْعَرِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ يَقُولُونَ: هَذَا الْقَوْلُ أَوَّلُهُ سَفْسَطَةٌ وَآخِرُهُ زَنْدَقَةٌ وَهَذَا قَوْلُ مَنْ يَقُولُ: إنَّ كُلَّ مُجْتَهِدٍ فِي الْمَسَائِلِ الِاجْتِهَادِيَّةِ الْعَمَلِيَّةِ فَهُوَ مُصِيبٌ بَاطِنًا وَظَاهِرًا؛ إذْ لَا يَتَصَوَّرُ عِنْدَهُمْ أَنْ يَكُونَ مُجْتَهِدًا مُخْطِئًا إلَّا بِمَعْنَى أَنَّهُ خَفِيَ عَلَيْهِ بَعْضُ الْأُمُورِ وَذَلِكَ الَّذِي خَفِيَ عَلَيْهِ لَيْسَ هُوَ حُكْمُ اللَّهِ لَا